ثقافةصحيفة البعث

الفن المسرحي السوري في ندوة “كاتب وموقف”

 

انطلق المسرح السوري مبكراً وازدهر في القرن التاسع عشر على يد أبو خليل القباني في مدينة دمشق وواجه من أجل نشر فنه العديد من الصعاب والعقبات، إلى أن نجح في استقطاب الجماهير لمتابعة عروضه ومسرحياته التي لاقت نجاحاً كبيراً. محطات عديدة أخذت حيزاً في ندوة “كاتب وموقف” التي يعدها ويديرها الإعلامي عبد الرحمن الحلبي في المركز الثقافي في أبي رمانة بعنوان “الفن المسرحي السوري.. مسيراً ومصيراً”، والتي بدأها بالقول: بعد التجربة الرائدة للراحل الكبير أحمد أبو خليل القباني انطلق العاملون في المسرح إلى إحياء هذا الفن اللافت بحق الذي حاربه المتعصبون والجهلة، لهذا شهدنا المتابعين يسيرون على الطريق ذاتها إلى المسرح، وقد تبلور هذا بالعمل المتقن الذي كتبه المرحوم صدقي إسماعيل كنص إشكالي، وجاء الكاتب الدرامي عبد العزيز هلال ليجعل منه نصاً مسرحياً شديد الخصوصية واختار له اسم “أسعد الوراق”، أما النص الأصلي فقد صدر ضمن مجموعة قصصية نشرها الأديب الراحل إسماعيل.

تاريخ المسرح

ولابد عندما نتحدث عن المسرح السوري بشكل عام من أن نعود بالذاكرة إلى سنوات خلت من عمر هذا المسرح، إذ تحدث الكاتب المسرحي جوان جان حول تاريخ المسرح السوري قائلاً:

كانت حركة المسرح السوري غنية ولكن الدراسات لم تتطرق لها بشكل واف حتى الآن، والسمة الأساسية في تلك المرحلة أن المسرح شكل وسيلة من وسائل مناهضة الاحتلال العثماني والاستعمار الفرنسي، وحملت الفرق المسرحية الناشطة في ذلك الحين طابعاً وطنياً وقومياً، لذلك لوحق الفنانون المسرحيون من قبلهم.

المنعطف

وتابع جان: يعتبر النقاد عام 1960 هو المنعطف الحاسم في تاريخ المسرح السوري فهو العام الذي تأسس به المسرح القومي في دمشق في عهد الوحدة بين سورية ومصر، وهناك العديد من الفرق والنوادي المسرحية التي نشطت على الساحة السورية قبل عام 1960، ومن أبرز الأسماء الراحل رفيق الصبان الذي ساهم بأكثر من تجمع مسرحي، وقدم أول عمل في المسرح القومي بعنوان “براكساجورا” التي كانت بمثابة فاتحة وباكورة أعمال المسرح القومي، أما أول نص يعتمد على كاتب عربي فكان في نفس العام بعنوان “المزيفون” لنهاد قلعي عن نص لمحمود تيمور، أما النص السوري المحلي فقد تأخر على حساب النص المترجم وقدم عام 1966 مسرحية “البيت الصاخب” لوليد مدفعي وإخراج سليم صبري، ثم أفرزت مرحلة الستينيات أسماء هامة على صعيد الإخراج المسرحي منها: هاني إبراهيم صنوبر الذي قدم للمسرح السوري أكثر من ستة أعمال مسرحية ويمكن اعتباره أحد المؤسسين الأساسيين في المسرح القومي في دمشق، وعلي عقلة عرسان وأسعد فضة وخضر الشعار، وشريف خزندار وأحمد قنوع ومحمد الطيب وعبد اللطيف فتحي وفيصل الياسري ويوسف حرب.

كما أفرزت هذه المرحلة كتاباً مسرحيين جاؤوا من خلفية الأدب والشعر أو القصة والرواية كـ “وليد مدفعي، أحمد قنوع يوسف مقدسي، حكمت محسن وعلي كنعان”، وهذه توليفة بين كتاب مسرحيين ينتمون إلى مشارب متعددة في الكتابة ومنهم من يعتمد على العمل المسرحي ذو الطابع الشعبي.

السياسة المسيطرة

ومع إطلالة عقد الستينيات والسبعينيات أخذت ظاهرة المسرح السوري بالتبلور بسبب استيعابه العميق لتجارب العقود المنصرمة من عمر المسرح السوري ما قبل عام 1967، ومحاولته الاستفادة منها للانطلاق نحو المستقبل، وتابع الناقد جوان جان بالقول: عمل الكتّاب على النهوض بسوية النص المسرحي كي يواكب الحياة السياسية والاجتماعية، ومما يلاحظ في هذا الصدد أن الهم السياسي كان هو العنصر المسيطر على مضامين الأعمال المسرحية في تلك الفترة، خاصة بعد هزيمة حزيران، وأبرز تلك النصوص كانت “حفلة سمر من أجل 5حزيران” لسعد الله ونوس وإخراج علاء الدين كوكش.

في الثمانينيات تغيرت طبيعة المسرح السوري وظهرت أسماء جديدة مثل شريف شاكر، نائلة الأطرش، مانويل جيجي، يوسف حنا، جهاد سعد، عماد عطواني، وطلال الحجري، وهشام كفارنة، ولكن ما هو ملاحظ في مرحلة الثمانينيات تبلور ظاهرة المخرجين المسرحيين وخاصة من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1977 وتراجع الكتابة المسرحية السورية، والأسماء التي أفرزتها تلك المرحلة تكاد تكون معدودة مثل وليد إخلاصي وسعيد حورانية وعبد الفتاح قلعجي.

مهرجان دمشق المسرحي

المرحلة الحالية في تاريخ المسرح السوري لم تكن إلا امتدادا للمراحل السابقة إضافة إلى نقاط علام ظهرت في السنوات الأخيرة وميزت الحركة المسرحية السورية، ذكرها كاتب “ليلة الوداع” وهي مشروع دعم مسرح الشباب الذي أطلقته مديرية المسارح والموسيقى قبل عامين، وقدم سبعة أعمال مسرحية في دمشق واللاذقية وطرطوس بالإضافة إلى مجموعة المهرجانات التي تقام سنوياً من قبل المديرية ونقابة الفنانين التي تعمل على تفعيل المسرح في المحافظات.

وبالتأكيد عند الحديث عن المسرح السوري لا بد من ذكر مهرجان دمشق المسرحي الذي توقف عام 2010، هذا المهرجان الذي استضاف فرقاً عربية وأجنبية، وكان أول مهرجان مسرحي في المنطقة العربية، ويبقى السؤال اليوم متى سيعود هذا المهرجان؟.

غياب الجمهور وانحسار المسرح

ويشكل المسرح القومي حتى الآن العمود الفقري للمسرح السوري، وبعد طرح تاريخ المسرح السوري، بدأت الفنانة فيلدا سمور بالتساؤل عن سبب قلة الجمهور لندوة تخص المسرح؟ على عكس ندوة خاصة بالدراما أو السينما؟ ومن المسؤول تجاه هذا التقصير هل هو المركز الثقافي أم العاملين في المسرح؟ وبقي السؤال دون إجابة، ثم انتقلت الفنانة سمور للحديث عن تجربتها في المسرح السوري الذي بدأته بالمسرح الجامعي وأدخلها عالم الاحتراف مع أهم المخرجين ومنهم فواز الساجر، وعن تجربتها في المسرح القومي قالت:

انتسبت إلى المسرح القومي بعد تجربة المسرح الجامعي، وكانت أول إطلالة لي كمحترفة في مسرحية “راشامون” نص ياباني وإخراج محمد الطيب، في المسرح القومي كنا ملزمين بتقديم عرض كل سنة أو عرضين، وفي الحقيقة الإدارة الجيدة صنعت عصراً جميلاً في المسرح القومي، إلا أن الدراما والمسلسلات العربية والسورية أخذت الممثل من المسرح مما أدى إلى انحساره على حساب الدراما، والكاميرا خففت من ضوء ووهج المسرح وهو شيء مبرر، فالتلفاز أكثر انتشاراً وهناك مشكلة قديمة وحالية أن المسرح أجوره ضعيفة جداً، والمسرح القومي ينطوي تحت قبة الدولة، ولا يوجد مسارح خاصة. ووجهت سمور الملامة لكل فنان لا يعتبر أن المسرح أولوية، حيث قالت: المسرح رقم أساسي في حياة الممثل، وأنا من جهتي لم أستطع العمل في المسرح ضمن ظروف الحرب، وآخر عمل لي كان في “ليلة الوداع” 2012 للكاتب جوان جان، وبعد ذلك لم أستطع تقديم أي عمل فأنا على يقين أن من يقف على خشبة المسرح عليه أن يكون مشحوناً بكل طاقات وإبداعات الكون للوقوف عليه، وأنا من جهتي كنت مفرغة نفسياً بشكل كامل.

جمان بركات