ورقة الإرهاب مجدداً
في الوقت الذي كان ينتظر فيه الأمريكيون، ولاسيما الناجين من أحداث الحادي عشر من أيلول، القضاء على حركة طالبان الأفغانية، بعد ثمانية عشر عاماً من الحرب “المقدّسة” التي أطلقها الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، فجّر الرئيس دونالد ترامب قنبلة مدوية بإعلانه عبر حسابه في تويتر “إن المفاوضات بشأن إنهاء الحرب التي استمرت 18 عاماً في أفغانستان تسير بشكل جيد”.
قرار يأتي وفق ترامب نفسه تنفيذاً لوعوده الانتخابية التي قطعها خلال حملتها للوصول إلى كرسي البيت الأبيض، ولكن لماذا الآن؟، هل بدأ من الآن التفكير بولاية رئاسية جديدة، أم أن هناك شيئاً تغير في أفغانستان؟ وماذا عن طالبان هل بدلت عقيدتها الإرهابية؟، أم أن هناك مخططات كبرى تريد واشنطن إنفاذها في إطار تحوّلها نحو الشرق الأقصى ومواجهة الصين؟
ما هو مؤكد أن حركة طالبان لم تتغيّر، بل على العكس أعادت تنظيم صفوفها واستعانت بصقورها المتشددين، ومنهم رئيس الوفد المفاوض للمحادثات مع واشنطن عبد الغني برادار، كما واستطاعت السيطرة على مناطق واسعة من البلاد حتى في المناطق البعيدة عن تأثيرها العرقي الباشتوني، والأهم أنها ترفض الجلوس مع الحكومة الحالية في كابول على طاولة المفاوضات، ما يعني أن شيئاً لم يتغيّر في طالبان.
إذن، أمريكا تخطط لشيء ما في تلك المنطقة، فقد شدّد التقدير الاستخباراتي الأمريكي لعام 2019 أن “الخطر الأكبر هو روسيا والصين على المستويات “السايبيري والاقتصادي والسياسي”، ما يعني واشنطن يجب أن تفوت بسرعة على أعدائها فرصة التمدّد، والوسيلة الأنجع لمواجهة ذلك تكون من خلال خلق فوضى على حدودهم، والتجربة السوفيتية مع “الجهاديين” الأفغان خير دليل على ذلك، وبالتالي فإن ترك الساحة خالية لطالبان في المنطقة المتاخمة لروسيا والصين وإيران سيلبي الغرض المطلوب في نشر الفوضى وتشكيل قاعدة خلفية لمهاجمة تلك الدول، مع المعلومات التي تؤكّد أن واشنطن انتهت من نقل قيادات داعشية من الصفوف الأولى والثانية والثالثة من معسكراتها في العراق وسورية إلى أفغانستان وهي جاهزة لتنفيذ ما يطلب منها هناك.
هناك من يقول: إن قرار ترامب الانسحاب من أفغانستان مجرد تنفيذ وعد انتخابي قطعه، وفي ظل الحملة الشرسة التي يتعرّض لها من قبل خصومه الديمقراطيين يريد تقديم نفسه أمام مناصريه أنه وعد ووفى، وأنه الأكفأ والأجدر لقيادة أمريكا لولاية رئاسية جديدة، والدليل على ذلك هو الهجوم العنيف الذي تعرّضت له إدارته من قبل العسكريين والدبلوماسيين السابقين على خلفية القرار الذين عدّوه أولاً خيانة لدماء الأمريكيين الذي سقطوا على أرض أفغانستان، وثانياً أنه تكرار لسيناريو الهزيمة في فيتنام بعيد توقيع اتفاق السلام في باريس عام 1976.
وعليه في ظل تصعيد أمريكي غير مسبوق في فنزويلا ومع تسريبات عن خطوات أخرى أكثر تشدداً اتجاه كراكاس، فإن اتفاق السلام الذي تعده واشنطن في أفغانستان يعتبر محاولة جديدة للاستفادة من الورقة “الجهادية” في وجه خصومها، ولفت الأنظار عما تريد تمريره فيما تعتبره حديقتها الخلفية.. ولكن ذلك لن يتحقق. ففنزويلا صامدة ومادورو قوي والنظام العالمي يتحول باتجاه التخلص من الهيمنة الأمريكية!.
سنان حسن