زائل لا محالة…
رغم حرص الإدارة الأمريكية على عدم اعتبار قرار الاحتفاظ بقوة محدودة في سورية تراجعاً عن قرار الرئيس الأمريكي بالانسحاب الذي أثار حفيظة مؤسسات الدولة الأمريكية العميقة، وشركاء واشنطن في التحالف الدولي، فإن من الواضح أن إدارة ترامب لم تستطع الاستمرار في مقاومة الضغوط الداخلية والخارجية التي مورست عليها بسبب قرار الرئيس، فأتى التوجه الجديد كحلّ وسط لإرضاء معارضي الانسحاب…
والسؤال الآن هو: ما هي التداعيات السياسية لهذا التوجه، وهل سيعيد الأمل للقوى المتضررة من قرار الانسحاب؟.
من الصعب تقديم إجابة حاسمة، لأن الأمر يتعلق بكيفية قراءته من قبل الأطراف المعنية، ولكن يمكن القول، بل تأكيد على أن القوة المحدودة التي ستبقى هي قوة رمزية وضعيفة التأثير في المعادلات الميدانية والسياسية. صحيح أنها ستُرضي الشركاء في التحالف الدولي، وتدفعهم إلى إبقاء قواتهم بعد أن هددوا بسحبها إذا تم تنفيذ قرار الانسحاب الأمريكي، لكن هؤلاء يخطئون كثيراً إن هم لم يفهموا أن الخطوة الأمريكية الجديدة لن تكون نتيجتها سوى المزيد من إغراقهم في المستنقع السوري الذي لن يكون الخروج منه بعد ذلك سهلاً، أيضاً ستشكل هذه الخطوة امتحاناً للطرف الكردي الذي جرّب الاستقواء بالحليف الأمريكي حتى فاجأه الأخير بقرار الانسحاب، فوجد نفسه في العراء، والمنطق يقول: إن هذا الطرف قد تعلّم الدرس جيداً، وفهم أن الرهان على الأمريكي لتحقيق حلمه الانفصالي هو ضرب من المغامرة الانتحارية، وأن ما يحميه من العدوانية الأردوغانية هو عودته إلى أحضان دولته السورية، وتفاهمه معها، وليس أي شيء آخر.
بقي الطرف التركي الذي سيحاول الاستفادة قدر الإمكان من هذا المستجد للاستمرار في التلاعب والتهرب من تنفيذ التزاماته المعقودة مع روسيا وإيران، والمضي في محاولة تحقيق هدف المنطقة الآمنة رغم انسداد كل الآفاق في وجهها، ورغم أن جعجعة أردوغان ضد الإدارة الأمريكية هي من قبيل التعمية على حقيقة انخراطه الكلي في خدمة مشروعها…
أخيراً، ومهما كانت تداعيات هذه الخطوة، فإن مصيرها سيقرره الموقف السوري المبدئي الذي يعتبر الوجود العسكري الأجنبي غير الشرعي في سورية احتلالاً… فهذا موقف ثابت لا يغيره حجم هذا الوجود، كبيراً كان أم صغيراً، وهذا يعني أن ساعة طرده قادمة لا محالة…
محمد كنايسي