د. العطار في افتتاح مؤتمر مجمع اللغة العربية:حماية العربية مهمة تتطلب تضافر الجهود والإمكانات
ليس غريباً عن أرض الحضارة والثقافة سورية أن تجمع الأشقاء العرب كعادتها، لكن لقاء اليوم كان مختلفاً لأنه جعل من هموم وشجون اللغة العربية وما تتعرض له في ظل الواقع الراهن موضوعاً للبحث والدراسة، وذلك في افتتاح المؤتمر العاشر لمجمع اللغة العربية بدمشق برعاية د. نجاح العطار نائب السيد رئيس الجمهورية في مكتبة الأسد الوطنية حيث رحبت بالأشقاء العرب في أرض الحضارة سورية لافتة إلى الدور الحضاري البارز الذي أسهمت به الأمة العربية عبر التاريخ في مسيرة الحضارة الإنسانية.
ورأت العطار في اللغة العربية الجامع والحافظ للتراث واللسان الذي يوحد أبناء الأمة مشيرة إلى أن لغتنا لم تسقط يوماً في الجمود والانغلاق، بل استطاعت أن تواكب كل العصور التي مرت عليها لتحقق انتصارها وقدرتها على نقل كل ألوان الحداثة والعلوم والفلسفة، كما توقفت عند الرعاية الكريمة والدعم الكبير الذي تلقاه اللغة العربية من السيد الرئيس بشار الأسد القائد الوفي والمخلص لشعبه وأمته، وهو الحريص على بناء نهضة ثقافية ترتقي بالوطن.
وتوجهت العطار إلى كل من انساق وراء المفاهيم الخاطئة والغزو تحت مسمى الحداثة وما تبعه من ادعاءات بأن اللغة العربية تشكل عائقاً أمام التقدم، وكل ذلك في سبيل التخلي عن لغتنا معتبرة أن المطلوب في مواجهة هذه الطروحات أن نكون أشد حذراً ووعياً حتى لا نضيع كنزنا الثقافي ونحدث قطيعة معرفية، وتغييب تذوب معه الشخصية العربية، وأمتنا تحتاج إلى الحفاظ على مصداقية توجهها وتعزيز الإيمان بلغتها.
وأكدت العطار أننا أبناء أمة تحمل إرثها في دمها وذاكرتها ولغتها المشحونة بهذا الموروث باعتبارها المعطى الوجودي الأشد أهمية في حضارة الأمة، والحلقة المركزية التي تعكس خصائصها، وهي فوق ذلك الرابطة القومية الأصيلة والعروة الوثقى التي صمدت وحققت الانتصار في وجه كل المحاولات التي استهدفتها، معتبرة أن لغتنا هي هويتنا ونحن المؤتمنون.
كما تحدثت عن المحاولات الخارجية المعادية التي نجحت في تمزيق صفوفنا وإخراج بعض بلداننا من خندق الكفاح، مما جعل بعض أقطارنا تواجه ما تواجهه من أزمات مؤكدة أننا رغم كل ذلك مازلنا نعيش كفاحاً باسلاً مع الإيمان بالمزيد من التنسيق والتضامن في وجه التحديات لاسترداد الحقوق في معركة الوجود والمصير والصراع العربي الإسرائيلي والأحلاف الموجهة ضد أمتنا العربية كلها. وخاطبت د. العطار أعضاء مؤتمر مجمع اللغة العربية الذين حملوا الرسالة مع كل المعنيين داعية للعمل جاهدين على متابعة النهج الصحيح وإكمال تجربة سورية المتقدمة متمنية للمؤتمر النجاح والقدرة على الإسهام في الانتصار للعربية واسترداد دورها التاريخي الكبير في البلدان العربية لتظل في ثوابت الأمة مشعلا في قبس الفكر العظيم.
ورأى رئيس المجمع د.مروان المحاسني في عودة البلاد إلى مرحلة الاستقرار بفضل دماء الشهداء فرصة لعودة المؤتمر بقوة لينجز دوره في خدمة اللغة العربية، وقدم عرضاً لما أنجزه المجمع خلال السنوات السابقة، لافتاً إلى الدعم الحكومي في هذا المجال مشيراً إلى هدف المجمع الأساسي في إيجاد تطابق بين اللغة والمجتمع وإعادة اللغة لمكانتها الحقيقية لتستوعب العلوم الحديثة وتقنياتها، وتوقف رئيس المجمع عند المؤتمر العاشر للمجمع والذي يسعى إلى توصيف واقع اللغة العربية في واقع متسارع الخطوات، وإيصال لغتنا إلى احتواء توطين العلوم لنعيد لها موقعها في حداثة سريعة التطور كلغة قادرة على استيعاب تطورات العلوم للمشاركة في إنجازاتها.
وتحدث د. مكي الحسني الأمين العام للمجمع عن المنجزات العديدة للمجمع خلال السنوات السابقة حتى المؤتمر التاسع، وعرض بإسهاب أهداف المجمع ومهامه وجهوده في سبيل سلامة اللغة العربية، إذ وضع المصطلحات العلمية والمعاجم اللغوية العصرية في شتى المجالات، وتوقف عند إنجازات لجان المجمع خلال السنوات الماضية في سبيل خدمة اللغة.
وعبّر د. محمد حور عضو المجمع الأردني عن سعادته بزيارة دمشق ومجمعها الرائد لاقتفاء أثر العلماء والمفكرين، أمثال محمد كرد علي وشفيق جبري وخليل مردم بك وشاكر الفحام وخلفائهم القابضين على جمر العربية في وجه التغريب والعامية والأمية، ورأى أن انعقاد المؤتمر تحت هذا العنوان “واقع اللغة العربية في عصرنا الحاضر” هو حال الأمة الذي يشف عن مفارقة عراقة وأصالة وإمكانات وتاريخ ووحدة في الماضي وتفكك وعجز في الحاضر، ولا يبعد واقع اللغة عن هذا وذاك، وأكد أنه أمام هذه الصورة القاتمة لن نعدم بارقة أمل وبصيص يطلان ولو بخفوت لكنهما مشعان، هذا الأمل والنور نلحظه في مجامعنا العربية في دمشق وبغداد والقاهرة وعمان وما لحقها من مجامع حديثة في دول عربية أخرى، هذه المجامع لديها طموح وإصرار على مواجهة الصعاب والتحديات لتبقى لغتنا العربية بصفائها عنواناً بارزاً من عناوين هذه الأمة الخالدة.
بعد حفل الافتتاح تابع المؤتمر أعماله في مقر مجمع اللغة العربية بدمشق وحمل المحور الأول عنوان المحتوى الرقمي العربي على الشابكة فتحدث د.على حسن طارش من العراق عن “تذليل العقبات لتطوير مؤشرات صناعة المحتوى الرقمي” وعن أهمية المؤتمر ودوره المؤثر في مجمل تطور العربية ومناقشة التداعيات التي تعاني منها في ظل الغزو الفكري والثقافي الذي يطال لغتنا، وقدم طارش بحثاً مستمداً من تجربة عملية في العراق بالتعاون بين أكثر من جهة، ولفت إلى أهمية الحديث عن موضوع المحتوى الرقمي العربي لنستطيع تقدير وضعنا الحالي في هذا الواقع المعاش في ظل التغييرات التي شهدها العالم في هذه التقنية، والتزاوج بين تقنيات الحواسيب والاتصال، مما قرب المسافة مع الجمهور وظهور ما يسمى مجتمع المعلومات الأمر الذي أدى إلى ضرورة تضييق الفجوة الرقمية بين المجتمع العربي والمجتمعات المتقدمة في هذا المجال.
وأشار طارش إلى الفقر الذي يعاني منه المحتوى الرقمي العربي مقارنة بلغات أخرى مشدداً على ضرورة وجود مؤشرات وأرقام تعكس مستوى مشاركة المحتوى الرقمي العربي، واقتراح خطط تثريه ولهذا دوره في التأثير على قوة العربية كلغة أساسية في صناعة هذا المحتوى، وطرح العديد من الاقتراحات لتذليل العقبات التي تؤدي لضعف المحتوى الرقمي العربي ومنها الاقتداء بالتجارب الناشئة وتطوير منصات شبكات المعرفة المعلوماتية التي تربط المؤسسات والشركات والأفراد، وإتاحة الفرص للمجتمع المدني لمراقبة الأداء مع التأكيد على ضرورة أن تتسم المؤشرات التي تعتمد في هذا المجال الموضوعية والحيادية، لأننا لا نريد مؤشرات تزيف الواقع، وختم طارش بالحديث عن تجربتين ناجحتين وهما مجلة المجمع العلمي العراقي الالكترونية بعد أن كانت تدار بالأساليب التقليدية والثانية فكرة إنشاء المجمع العلمي الافتراضي لتطوير الصلة مع الجمهور .
وحملت ورقة عمل الأستاذ مروان البواب عنوان المحتوى العربي في المكتبة الرقمية العالمية، قدم خلالها تعريفاً بالمكتبة الرقمية العالمية وأهم مزاياها والغرض من إنشائها مع جولة سريعة في أرجائها كما تحدث عن شركاء المكتبة من الأقطار العربية والجهات المشاركة فيه من هذه الدول، وقدم بعض الإحصائيات المهمة عن مشاركة العرب في المكتبة كما أعطى العديد من الأمثلة عن عمليات البحث في المكتبة الرقمية.
أما د. نزار الحافظ فقد اختار عنوان “واقع المحتوى الرقمي العربي على الشابكة” وتحدث بداية عن الشابكة كوسيلة لنشر المعلومات ساهم فيها سهولة الاتصال بها وانتشار الحواسيب والهواتف الذكية والتنافس بين اللغات لزيادة مشاركتها على الشابكة، وبعد تعريفه للمحتوى الرقمي العربي ومجالاته أشار الحافظ إلى أشهر مواقع النشر الرقمي باللغة العربية وبعض الإحصائيات حول هذا المحتوى، بالإضافة إلى التحديات التي تواجهه.
وعن حضور المحتوى الرقمي العربي على الشابكة قدم الحافظ بعض الإحصائيات منها أن اللغة العربية كانت الأسرع انتشاراً على تويتر بين عامي 2010-2011 وان نسبة متحدثي العربية حوالي 4,8 بالمئة من مستعملي الشابكة في العالم مع ذلك هناك فجوة كبيرة من حيث نوعية وكمية المحتوى وعن معوقات الاستفادة من المحتوى الرقمي العربي أشار الحافظ إلى انه في مقدمة هذه المعوقات ضعف التصاميم وغياب تحديث المحتوى وضعف المحتوى المنشور، وخلاصة البحث كانت مجموعة من التوصيات منها دعم مبادرات إغناء المحتوى الرقمي العربي وإنشاء مبادرات جديدة وحث المؤسسات للمساهمة بمحتواها على الشابكة مع المحافظة على الخصوصية.
وقدمت المهندسة زهيرة حمزة تعريفاً شيقاً بموقع مجمع اللغة العربية بدمشق بدأته بتعريف موجز عن الموقع وظروف إنشائه، وعدد المطبوعات المتنوعة على الموقع، كما قدمت عرضاً شاملاً لمحتوياته التي يتضمنها مؤكدة أن الموقع ما يزال قيد الاستكمال.
حضر الافتتاح د. بثينة شعبان المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية ود. بسام إبراهيم وزير التعليم العالي ورؤساء وأعضاء مجامع اللغة العربية في الوطن العربي وحشد من الباحثين والمثقفين والكتاب.
جلال نديم صالح