النهب بطريقة مهذّبة!
في الوقت الذي يعمد فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى مهاجمة حلفائه في حلف شمال الأطلسي “ناتو”، ويطلق التصريحات الساخنة والرنانة عبر حسابه التويتري حول رغبته في الانسحاب من هذا الحلف على خلفية تقاعس بعض الدول الغربية عن الوفاء بالتزاماتها تجاه الحلف، يحاول هو ذاته استنساخ التجربة الغربية في حلف “ناتو” في المنطقة العربية عبر إيهام بعض أنظمة المنطقة بإمكانية إنشاء حلف مماثل من حيث القوة و”الردع”.
ومن الأسباب التي يسوقها ترامب لإقناع بعض الأنظمة بأهمية إنشاء مثل هذا الحلف: “ردع إيران ومنعها من السيطرة على المنطقة العربية وتوسيع نفوذها”، ولذلك يتفنن بالاتفاق مع الكيان الصهيوني في شيطنة إيران، وتصويرها على أنها تطمع في السيطرة على ثروات الخليج العربي، وإسقاط أنظمته من خلال العمل على تشويه صورتها، واستخدامها فزاعة لإجبار حكام الخليج على الدفع للإدارة الأمريكية من خلال آلية الدفع الجديدة التي استحدثها لهم، وبالتالي تعمد الإدارة الأمريكية إلى رفع منسوب الرعب في المنطقة من قوة إيران، والإيهام بأنها تسعى إلى امتلاك السلاح النووي، في الوقت الذي تعمل فيه على تلميع صورة “إسرائيل” المغتصبة لفلسطين العربية، وإقناع العرب بإمكانية تطبيع العلاقات معها، وجعلها حليفاً لهم في مواجهة إيران التي تعمل البروباغندا الغربية والعربية معاً على تصويرها عدوّاً للعرب بدلاً من “إسرائيل” التي تحوّلت إلى حمل وديع في نظرهم.
وبالنظر إلى صعوبة المقارنة بين الطرفين، نتساءل: ما الذي يجنيه ترامب من انسحابه من حلف مع الدول القوية في أوروبا وانضمامه أو تشكيله حلفاً جديداً مع أعضاء جدد لا يملكون القوة ذاتها للأعضاء السابقين؟.
إذا كانت الإدارات الأمريكية السابقة كلها قد استثمرت في حلف شمال الأطلسي بحلفاء أقوياء، وألزمتهم دفع ما يترتب عليهم من نفقات عسكرية للحلف، الذي تعتبر واشنطن أكبر مزوّد له بالسلاح، بمعنى أن الحلف كان أداة لإجبار الدول الغربية على شراء السلاح الأمريكي، فإن استنساخ تجربة هذا الحلف مع أعضاء جدد ضعاف كالموجودين في المنطقة سينعش حتماً شركات السلاح الأمريكية، ويؤمّن لها سوقاً غنية لفترة من الزمن، وبالتالي تكون القضية كلها باختصار مسألة تجارية بحتة تتعلق أولاً بفتح أسواق جديدة للسلاح الأمريكي بشكل، يضمن إنعاش الاقتصاد الأمريكي لعقود قادمة، ويوفّر بالدرجة الثانية أداة للهيمنة الأمريكية المباشرة على شعوب المنطقة، ولا علاقة للأمر حقيقة بمساعدة دول المنطقة في مواجهة “الوحش الإيراني” الذي يريد ابتلاعهم، على حدّ تصوّرهم أو تصويره لهم، بل هو مرتبط بأسلوب جديد من أساليب الابتزاز يؤمّن موافقة شعوب المنطقة الدائمة على دفع مبالغ طائلة من الأموال تحت هذا العنوان، بمعنى أنه إذا تعذّر على حكام الخليج تبرير الدفع للراعي الأمريكي مقابل الحماية، فإن الإدارة الأمريكية لديها الأسلوب المناسب لتهذيب طريقة الدفع.
إذاً المسألة كلها تتمثل في تحويل دول المنطقة إلى بقرة حلوب تدرّ أموالاً على شركات السلاح الأمريكية بطريقة لبقة إلى حدّ ما عنوانها: “تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة”، وبالتالي لا يشعر المواطن في هذه الدول بأنه يدفع هذه الأموال بصورة قسرية!.
طلال الزعبي