على حالي السلام!؟
د.نهلة عيسى
تُقص رؤوسنا كل يوم لسبب مبني للمجهول, وتبقى في علم المجهول, أما مسيرة الدواعش من جحورهم شرق الفرات باتجاه جحور جديدة, فتبدو أشبه بعرض عسكري فوق تلال رؤوسنا المقطوعة, والمضحك المبكي أنه مطلوب منا أن نصفق لمن باعوا الوطن, وأن نخرج من موتنا, ونرمم رؤوسنا ونلصق أقدامنا المبتورة, ونقف في الساحات والميادين نرحب بالأبطال الميامين, الذين يمزقون الخريطة بالتحالف مع الأمريكي, ويطلبون منا أن نكون الشهود!! وبعد ذلك يسألني البعض من الأصحاب: كيف حالك؟
حالي؟! أنا بالتأكيد لا أدافع عن حياتي بصمتي, وإن كنت احترم الصمت, فهو في كثير من الأحيان جواب بليغ, ولست ممن يمتلكون ترف تبادل السباب, واختصام الأصحاب في نتائج الكرة, ولذلك فحياتي مشاع المشاع, بل أشبه بالتحقيق في فرع أمني, وبالخنجر في صدر المرح, وبخطى المماليك يقتفون الأثر, يسألون الدرب عن الريح, فتغض الدرب السمع والبصر, أي ريح تسألون عنها يا أصدقاء, وكل أسئلتكم تبحث عن إدانتي وليس حقيقتي, ولا كيف أعيش؟ ولا كيف أحمل الوجع في قلبي كما يحمل العار إلى المهزوم رأسه محنية!!.
حالي؟! هل تتوقعون أن أشكو, أن أصرخ, أن أبكي, أن أجيب على كيف أعيش معادلة اللا حياة واللا موت, وأنا صديقة الغيوم العابرة, والورود التي تذبل قبل أن تكبر, والشجر الذي يموت واقفاً على أقدامه, والشوارع التي ترتدي جواربها السوداء عند كل مغيب, والحب الذي لا تستدعيه طبول العالم, ويأتيك طائعاً دونما مواعيد مؤجلة, والكلمات التي لا تقرع باب أحد مرتين, وتغفو في حضني كل يوم, على الخط الفاصل بين موت وموت, أنا عاشقة الحياة حد الموت؟!
يا أصحاب: لن أرد على السؤال بسؤال: كيف حالكم, تراكم تعيشون؟ لأن بعض الأشياء لا تحتاج للنبش في الحقائب العتيقة, لمعرفة ما فيها: شهادة ميلاد, أم صك وفاة, أم تميمة تطرد أشباح الماضي, من بيوتكم الجديدة!؟ ولن أجيب على أسئلتكم بسؤال, بل باعتراف بسر صغير: يوم التحف بعضكم الصمت كفناً, بزعم الحفاظ على الحياة, في وقت كان فيه الوطن تسلب منه الحياة, أقمت أنا على أرواحكم الصلوات, وتقبلت التعازي, بيقين العارف: أن لا (كان وأخواتها), ولا (أن وأخواتها), ولا الأفعال التامة, أو الناقصة, أو المتعدية, ولا حتى (لا) النافية للجنس قادرة على أن تعيدكم من منافيكم, بعد أن جرتكم (حروف الجر) إلى الخوف على الذات لا على الوطن, فماذا أفعل و (ما) بعد إذا, هي حرف زائد, وليس حرفة علة, ولكنه سبب كل علة!؟.
تسألونني, وفي السؤال شراك: كيف حالك؟ والظن أن السؤال: كيف موتك؟ تريدون جواباً؟ إليكم الجواب: رأسي ليست مخبئة في الخزائن الحديدية, إنها مذياع أحمله في رحلتي النهارية, وكل شيء يا أصدقائي حولي في حالة رحيل, كل شيء يركب قطاره ويمضي من المحطات البائسة, الحزينة المغبرة: الصداقة, الفرح, الحب, الأشياء المُتوهمة, والأشياء المُبالغ فيها, وأنا مع كل رحيل, أولد من جديد, وأنتمي إلى يقين, أنتمي إلى وتد: أن يوماً في الوطن يعادل عمرين, وأنني فيه على الأقل, أتقاسم الخبز, الحزن, الموت مع من أحب, تراكم اصطحبتم في صمتكم من تحبون؟ تسألونني عن حالي, موتي؟! موتي بخير, والوطن بات أضرحة, والشوارع, والبيوت, والقلوب, وجنودنا منذ .. ربما قرن, بل قبل القرن بقرن, يشبكون أيديهم الغضة الممزقة, لتصير سياجاً يصد الرصاص, ويصد العدا, ويرفعون الصوت, لترتفع معه هاماتنا: نحن فداؤك يا وطن, ويسقطون حقاً في ساحات الوغى فداء الوطن, ووحدها تلك الأيدي, هي حقاً الوطن, ووحده ذلك الصوت .. صوت الجنود, من يحول الصدأ على شفاهي إلى ابتسامات, والأحاجي إلى إجابات, وكل ما في القلب من وجع إلى أقحوان, وكل ما بقي من عزم في الجسد إلى رحلة أكون فيها رفيقة كل ثغرة في جدار تحميه بندقية, وأجر أقدامي الحزينة في شوارع المدينة, أبشر بالنصر, وألقي على العابرين السلام, وأضمد حالي, فكيف حالكم؟