ثقافة

نجماتنا على الشاشة: سيدات سوريات.. حقيقيات

ليس بالأمر البسيط والسهل أن تقول أن هذا الممثل أو تلك الممثلة قادرة على امتلاك الشاشة وملء فراغها بمفردها، في ظل تعدد أدوار الممثل الواحد والأعمال الرمضانية التي ربما تربك المشاهد ولا تمكنه من الإلمام بكل مشاهدها وأحداثها، لكن لابد لبعض الوجوه من أن تترك بصمتها التي لا يمكن أن تمحى بالرغم من هذا الازدحام الفني.
السيدة الدمشقية
انتقاماً لبراءة طفولتها التي انتهكها زوج والدتها ولأنوثة أدار لها الزوج ظهره، تقرر أن تخلع عنها جلد الضحية التي تملكتها الرغبة في الانتقام مستخدمة أنوثتها الطاغية للوصول إلى غاياتها، هي شهيرة في “حارة المشرقة” -الذي عرض ضمن الموسم الدرامي الحالي- التي تنجح في إغواء أبو عبدو والاستيلاء على أمواله بعد أن وقع صريع خشخشة خلاخلها، وتتعاون مع أبو مالك فتتاجر بحبوب الهلوسة، ولا تتوانى عن المساهمة بنقل معلومات خطيرة خارج حدود البلاد. وبفعل السحر الذي تتقن استخدامه يتهافت حولها الرجال بينما هي غير عابئة إلا بطالب لعلوم الدين ينحو نحو التشدد والتطرف فيسلم أمامها أسلحته. هي أيضاً “لمى” في مسلسل “بانتظار الياسمين” لسمير حسين، دور لعله أشد أدوارها تأثيراً وأكثرها واقعية وإقناعاً، لمى المرأة السورية التي طالت حياتها يد الحرب فهُجِرت هي وأولادها، بعد أن فقدت زوجها لتجد نفسها مجبرة على مواجهة مصاعب العيش في حديقة عامة، وعرضة لذئاب أفرزتها ظروف الحرب القاسية، حياة نستطيع من خلال مفرداتها قراءة مأساة وطن ينتظر الغد الذي لابد سيزهر فيه الياسمين.
أما في “حرائر” باسل الخطيب فهي بسيمة القوية الواعية سيدة دمشقية حقيقية في مرحلة مبكرة من تاريخ سورية بعيدة كل البعد عن التحريف الذي طالها في مسلسلات أخرى، تتحدى الظروف الاجتماعية السائدة والمصاعب التي توقعها فيها الحياة بعد فقدان الزوج لتجد نفسها في مواجهة الاستغلال من قبل من يجدر بهم حمايتها.

وردة شامية
بينما تكتفي كاريس بشار بتقديم أنشودة ألمنا السورية عبر دورها في “غداً نلتقي” وبطريقتها الخاصة تعيد “وردة” ترتيب أوجاعها وأوجاعنا فنؤخذ بها، بينما العالم يراقب بعقل وقلب مغمضين، وردة التي نسيت أنوثتها ومشاعرها عندما امتهنت غسل الموتى، تكتشف أنها ما زالت تعشق الحياة، فتبحث عنها وسط مجموعة من الأشخاص حاولت الحرب أن تقتل أحلامهم وأحلامها، وبينهم تجد نفسها وقد دق الحب قلبها، وأوقعها في حبائله، تغوص في عالمه فتبكيها الخيبات أحيانا وتتعالى على جراحها بالضحك أحيانا أخرى.
بذكاء فطري تؤدي كاريس بشار الشخصية مستخدمة أدواتها الخاصة وعفويتها المحببة، مضيفة إليها بعضاً من جنوح الممثل إلى الجنون، فتمايلت حيناً، وتراقصت وسلمت نفسها وروحها لإيقاع الأحداث كما يستسلم الجسد لموسيقا رقصة ساحرة، ووقفت كعاشق مسرح وحيد على الخشبة تضحك تارة وتبكي تارة أخرى وتهزأ من نفسها حينا آخر، تحدثها وتنهرها في عرض طويل لا نملك أن نمل منه. كاريس بشار قدمت “وردة” السورية البعيدة عن تراب بلدها عبر مشهدية سينمائية يطغى فيها الأبيض والأسود، النقيضان اللذان يجتمعان في شخصية درامية ذاتها فأتت غنية آسرة متكاملة البناء، مصرة على أن تبقى تحفر في ذاكرتنا طويلاً.

أم عبدو
وبأدواتها الخاصة تأخذنا “فيحاء” زوجة خليل التي أحببناها في ”ضبو الشناتي”، و”أم عبدو” التي كادت الظروف أن تسحقها بين غضب الأهل لهروبها مع زوج باتت تبغضه، وذل العيش خارج أرضها لاجئة تنتظر أن يتحقق أمل حياتها في الهجرة، في “غداً نلتقي” أداء أقل ما يقال عنه أنه رائع “ضحى الدبس” التي تحاول في كل ظهور لها الابتعاد عن نمطية دور الأم، فتحمل الشخصية في كل مرة الموقف والقضية أن ليس على المرء الرضوخ والخضوع وتقبل القدر دون أن نحاول مقاومته وتغييره، أداء رفيع المستوى يقترب من الكوميديا حد الالتصاق، بعيدا عنها حد المأساة مبدية قدرة كبيرة على ابتكار أكثر اللحظات إضحاكاً في أشد المواقف عتمة وسوداوية، فتشبه في كل لحظة، وإلى حد كبير حياة السوريين الباحثين عن الأمل والخلاص خارج حدود بلدهم. ضحى الدبس أيضاً الزوجة والأم في العراب، الأم الحنونة والحكيمة في آن معاً، ركيزة الأسرة بأكملها، في محاولاتها الدائمة كي تبقيها، وأبناءها صامدين أقوياء في وجه كل المشاكل المعقدة والمركبة التي يتعرضون لها كعائلة مختلفة، ضحى الدبس ممثلة قادرة على إمتاعنا ونيل إعجابنا، والظهور كسيدة جميلة راقية، متفردة بعفوية ومظهر طبيعي بعيداً عن عمليات التجميل والرموش الصناعية التي جعلت من كثير من الممثلات نسخاً متكررة بأداء مصطنع، بل قدمت شخصياتها بأداء عفوي وحس عالٍ بالشخصية التي تؤديها.

سوريات حقيقيات
نجمات سوريات ثلاث، قدمن الاحترام والتقدير للمشاهد من خلال إظهار المرأة السورية على الشاشة بصورتها الحقيقية، فهي ليست فقط امرأة باب الحارة “حاضر ابن عمي وتشكل آسي” والتي تشتم وتدخل معارك نسائية متدنية المستوى أقل ما يقال عنها “شوارعية” بل قدمنها  بأداء عفوي راق وممتع وحرفية عالية، سوريات حاضرات بكامل مشاعرهن بعيداً عن الصراخ والسوقية والفجاجة بالرغم من اختلاف الأزمنة وتباين الانتماءات الاجتماعية. ولهن يمكن أن نرفع التحية.
بشرى الحكيم