مبادرة بديلة عن الانسحاب
علي اليوسف
إن مبادرة إنشاء مجموعة دولية لتولي مهمة الاستقرار النهائي في سورية الذي تم تداوله مؤخراً في الأروقة السياسية بمقترح من جير بيدرسون المبعوث الأممي الرابع إلى سورية، لن تبصر النور ما لم ترتبط بشكل كبير بالقضاء على جميع بؤر الإرهاب، وانسحاب القوات الأجنبية من منطقتي ادلب، والجزيرة السورية، أي يعني انسحاب القوات الأمريكية، والتركية، وجميع القوات التي تعمل تحت الإشراف الأمريكي.
وباعتبار أن روسيا هي صاحبة الكلام الفصل في هذا الشأن، أكد الرئيس فلاديمير بوتين لمضيفيه الذين يتقاطرون على روسيا، على أن جميع دول المنطقة بما فيها سورية ستكون من ضمن مجموعة العمل هذه، الأمر الذي يتوافق مع الموقف الروسي تجاه الأزمة السورية، ويتوافق مع موقف الدولة السورية من المسألة، ولا يتعارض مع المقاربة الإيرانية للأزمة التي تستند إلى طلب رسمي سوري بالتدخل مقروناً بضرورات محاربة الإرهاب، لهذا فإن مبادرة إنشاء مجموعة العمل المذكورة ستظل معلّقة مادامت ادلب والجزيرة السورية تحت سيطرة المجموعات الإرهابية، ومادامت القوات الأجنبية التي دخلت خلسة إلى تلك المنطقتين دون موافقة الحكومة السورية باقية دون أية نوايا للانسحاب، كما أن مقاربة بوتين بين القضاء على الإرهاب، وانسحاب القوات الأمريكية والتركية، لا تخرج عن سياق التفاهمات بين روسيا وإيران وسورية، بل إنها تتناغم مع الإصرار السوري والإيراني على تحرير ادلب، واستعادة السيطرة على الجزيرة السورية.
مقابل تلك التفاهمات، دخل شريكا الحرب على سورية: تركيا وأمريكا، في صراع التموضع الجيوسياسي، فمن جهتها أعلنت أمريكا نيتها الانسحاب من سورية، وحذرت تركيا من المساس بالمقاتلين الذين كانوا يساندون القوات الأمريكية، بل أعلنت أنها ستنشر قوات للمراقبة، وهذا استدعى ردة فعل عنيفة من تركيا، كما جاء على لسان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، بأن قوات الولايات المتحدة وأوروبا ستتعرّض لهجمات في شمال سورية في حال نشر عسكرييهما هناك للإشراف عليها، ما يعني أن تركيا تريد الاستئثار بالمنطقة لوحدها، بل لا تتخلى عن مطلبها بإنشاء منطقة آمنة شمال سورية، لهذا تراجعت أمريكا عن الانسحاب بحجة طلب ضمانات للمجموعات التي كانت تقف إلى جانبها، بحسب ما قال مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، أثناء زيارته للأراضي المحتلة وتركيا مؤخراً، وهذا ما يفسر بعد انقضاء كل تلك الفترة عدم سحب جندي واحد من سورية، وكان كل ما انتقل هو بعض العتاد، كما أن التخطيط لانسحاب كامل مازال يجري رغم التصريحات المثيرة للبلبلة، بل المتضاربة في بعض الأحيان من البيت الأبيض، ونتيجة التوتر مع تركيا، ولكن في واقع الحال أدى إعلان ترامب في 19 كانون الأول الماضي قرار الانسحاب من سورية إلى بلبلة واسعة، وكان أحد أهم الأسباب التي أدت إلى استقالة وزير الدفاع جيم ماتيس، ولذلك فإن الانسحاب لا يعتمد على إطار زمني، وسيأخذ في الاعتبار الظروف القائمة على الأرض، ويبدو أن التنازل الذي قدمه ترامب أتاح المزيد من الوقت للإدارة الأمريكية لتحقيق أكبر إنجازات ممكنة في الأزمة السورية، وتم طرح مبادرة إنشاء مجموعة دولية لتولي مهمة الاستقرار النهائي في سورية لتكون البديل المحتمل عن الانسحاب الأمريكي، أو بعبارة أخرى ما يطلق عليه اسم “الرعاية بالوكالة”، وإذا ما طبقت هذه المبادرة فإن المنطقة، بلا شك، مقبلة على تغييرات سياسية إقليمية ودولية مهمة قد تغيّر الخريطة السياسية والجغرافية الحالية، ولهذا السبب يبدي جميع الفرقاء الإقليميين قلقاً واضحاً من مخاطر الارتدادات الإرهابية عليهم، لذلك يسعون إلى فرض شروط تناسبهم وكأنهم هم المنتصرون في تلك الحرب، وتراهم يسعون إلى محاولة الدخول بأي دور في هذه الترتيبات بما ينسجم مع مصالحهم وتحالفاتهم المعروفة.