حزب البعث كحامل لإيديولوجية فكرية
علي اليوسف
لا يزال عام 1947 نقطة تحوّل حاسمة في الحياة الحزبية والسياسية في سورية، لأن تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي في ذلك الوقت والذي نحتفل اليوم بذكراه الـ 72، لم يكن حزباً سياسياً سورياً، وإنما حاملاً لإيديولوجية فكرية على المستوى القومي جعلت منه منافساً سياسياً لا يُستهان به.
ومنذ تأسيسه، كان الهدف الوحيد لحزب البعث العربي الاشتراكي هو تطوير الفكر القومي استناداً إلى تعميق مضامين الوعي العربي على أساس إعادة التركيز على الهوية القومية وفهم موضوع الوحدة العربية فهماً متجدداً، وتحديد المصلحة القومية العليا كسبيل وحيد لخلاص الأمة من واقعها غير الطبيعي، ومعاناتها الناجمة عن استمرار واقع التجزئة والتخلف، وتبعية بعضهم للراعي الأمريكي.
لقد تعرّض فكر حزب البعث لطعنات خارجية متتالية، ومع مطلع عام 1975 بات واضحاً للقيادة السورية أن الإستراتيجية الأميركية التي كان يديرها هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي في المنطقة، أو ما سُمّي بـ دبلوماسية “الخطوة خطوة”، لا تستهدف تحقيق سلام شامل في المنطقة، بل تحقيق سلام منفرد ما بين مصر والكيان الصهيوني، ومنذ ذلك الوقت استطاع القائد الخالد حافظ الأسد أن يعوّض انهيار التحالف السوري- المصري في حرب تشرين عام 1973، بإعادة بناء موقع دمشق في محيطها الاستراتيجي الطبيعي، وهو المحيط السوري الكبير الذي يمثّل بحدّ ذاته بلدان الطوق حول الكيان الإسرائيلي لعوامل إيديولوجية، وقومية، وحتى عوامل إستراتيجية تتصل بالصراع مع “إسرائيل”، وهو ما ينسجم مع مفهوم القائد حافظ الأسد لـ التضامن العربي، وضرورة تجاوز الخلافات العقائدية في سبيل بناء الجبهة الشرقية.
وحتى مفهوم التضامن العربي تمّ إقصاؤه من خلال الضغط الأمريكي على دول الطوق، ودول النفط عبر وسائل ظلّت طيّ الكتمان لحين قدوم دونالد ترامب إلى السلطة ليخرجها من أدراج الإدارة الأمريكية ويعلنها للملأ بأن التطبيع مع الكيان الصهيوني بات جاهزاً، ولم تُقِم الدول المطبّعة وزناً لمفهوم التضامن، بل على العكس كانت سعيدة بتلك الهرولة نحو العدو الأوحد للأمة العربية، وقدّمت له خدمات مجانية من خلال تصدير الإرهاب إلى عدد من الدول العربية التي ترفض السير في هذا الركب.
لكن سورية استطاعت، بمفهومها العروبي المقاوم وبمساعدة الحلفاء، التغلّب على كل المؤامرات الأمريكية، وهذا مردّه إلى الفكر الذي دافع عنه حزب البعث العربي الاشتراكي منذ اليوم الأول لتأسيسه وهو التضامن العربي، ووحدة الصف تجاه أطماع الغرب التي لم تنتهِ منذ الاستعمار القديم إلى يومنا هذا. ورغم الحرب الكونية على سورية لا يزال حزب البعث هو القوة الفاعلة على الأرض، فهو يمتلك خبرة تنظيمية واسعة، وقواعد حزبية ناجزة على مستوى الجغرافية السورية.