اقتصادصحيفة البعث

الفقر لا يتعدى على أحد..!

لعلها من أبرز المقولات الشعبية المأثورة ذات الصدى الاقتصادي، تلخص منهجاً للاجتهاد باتجاه العمل طالما حاول الآباء ومن قبلهم الأجداد ترسيخه لضمان العيش الكريم..!
مقولة لها من الوقع ما يقينا ندب حظنا العاثر، وتعلق أسباب فشلنا على شماعة الظروف، وأن نعلل أنفسنا بآمال تنتظر طائر الحظ ليجلبها إلينا دون أن نحرك ساكناً تجاه تحسين وضعنا المعيشي… وكأن الحصول على المال لا يتأتى إلا من فرص مثالية تؤمنها السلطة التنفيذية، وتتكامل فيها معطيات الثراء الاقتصادية، وما علينا سوى اختيار العمل المُفَصّل وفق مقاسات مزاجنا، ليدر علينا دخلاً يشبع طموحاتنا..!
حتى لا يساء الظن بنا ونتهم بأننا ندافع عن الحكومة وتقاعسها عن توفير فرص عمل لجميع العاطلين، نوضح أن ما نرمي إليه هو تسليط الضوء على حرف ومهن وأعمال يمكن لأي شخص حتى العامل بالدولة القيام بها دون عناء، عبر سياقين؛ الأول يساهم بتوفير دخل مادي إضافي، والثاني يحقق الاكتفاء الذاتي لكثير من السلع والمواد الأساسية اليومية؛ ما يؤدي بالنتيجة إلى الاستغناء نسبياً عن اللهاث وراء ضبابية برامجنا الحكومية المتعلقة بتأمين فرص العمل..!
ولعل ورش الخياطة المنزلية وقوامها آلة خياطة واحدة فقط –على سبيل المثال لا الحصر- خير ما يستشهد به للسياق الأول بالنسبة لأبناء المدن، أما أبناء الريف فيمكن أن يكون صعيد مصر الريفي أسوة لهم فيما يخص السياق الثاني، وأي زائر إليه –أي الصعيد- يلحظ أنه يحقق اكتفاءً زراعياً وغذائياً ذاتياً على مستوى الأسرة، حيث يكاد لا يخلو منزل –بحكم الطبيعة الريفية- من زراعات ومواشٍ تؤمن بالحد الأدنى الاحتياجات اليومية لكل أسرة.
ما سبق مجرد أمثلة توضيحية لدعم فكرتنا حول إمكانية تسخير طاقاتنا الذاتية وتحويلها لآلة إنتاج وتعبئة فراغنا في آن معاً، إلى جانب أنها تَحُولُ دون وقوعنا في مطب تحوّلنا إلى مجتمع استهلاكي، تنطمس فيه معالمنا وتراثنا الثقافي والحضاري، يلهث وراء ما يُوَرّدُ له من أفكار مقولبة تجعله اتكالياً منفعلاً، لا مبدعاً مبادراً، كما هي حال معظم دول الثروات النفطية والسياحية.
ونختم بالإشارة –وبشهادة العدو قبل الصديق- إلى غنى بلدنا بالطاقات البشرية المبدعة في شتى المجالات والصعد، نتيجة ما تتمتع به من مخزون فكري بات محط أنظار كثير من دول العالم، الأجنبية منها قبل العربية، وهي لا تدخر جهداً لاستقطابه واستثماره؛ بغية تحقيق إنجازاتها التنموية والاجتماعية، فالأولى بنا المبادرة الذاتية (كلٌ حسب موقعه وإمكاناته) لاستنهاض طاقاتنا وأفكارنا على الصعيد الشخصي الأسري أولاً، لنرتقي بها إلى المستوى المجتمعي الوطني ثانياً.
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com