علاقة مأزومة؟!
توجيه الاتهام لبعض رجال الأعمال من قبل المؤسسة التنفيذية بأنهم تجار أزمات لا يعبر فقط عن علاقة مأزومة معه بل يرفع الغطاء عن خطأ مرتكب في النهج الاستثماري الذي لم يقدم حتى الآن أية حلول مقنعة للكثير من التحديات، فغالباً ما يكون تدخل قطاع الأعمال متواضعاً وغير فعال وينتهي بالانسحاب الذي يزيد من حجم المشكلة ويعمق تداعياتها، وبات من الواضح بحضور الكثير من دلائل الإدانة على أن ما يقدم من إجراءات وتسهيلات يتم استثماره بشكل غير صحيح، وطبعاً هذا ليس استنتاجاً بل بات حقيقة ملموسة من قبل الناس مثبتة بالوقائع والشواهد التي تفرض اتخاذ العديد من الإجراءات الاحترازية لضمان المسار الصحيح لكافة القرارات الناظمة لهذه العلاقة والقائمة على التكامل والتعاون من أجل المصلحة العامة.
وما يدعو للاستغراب في هذه الأيام أنه بعد الانشغال لسنوات طويلة ما قبل الحرب في كيفية دمج القطاع الخاص في عملية التنمية الاقتصادية التي شهدت انتكاسات وتجارب استثمارية فاشلة نتيجة استغلال البعض للتسهيلات وخاصة المصرفية واستثمار المال العام ومن ثم نهله بطرق مختلفة.. نجد أنه يتم الترويج الآن ومن باب “الوطنية” لدخول رجال الأعمال والشركات إلى كافة القطاعات ودون أية شروط أو ضوابط وبشكل يستدعي مراجعة دقيقة وبحثاً سريعاً في انعكاسات هذه الاستراتيجية على الحياة العامة بكل نشاطاتها ومجالاتها التي تنخر في الجسد المؤسساتي والوظيفي مستهدفة القطاعات الأكثر ربحاً وعائديه.
وإذا كانت سياسات الحكومة في مجال التنمية الاقتصادية قد سعت ليكون القطاع الخاص شريكا أساسيا سواء بصياغة أو ترجمة هذه السياسات على أرض الواقع، فمن الضروري الآن الإجابة وبالأرقام عن بعض التساؤلات .. هل قام القطاع الخاص بالاستثمار المباشر والصحيح في القطاعات الإنتاجية أم توجه إلى القطاعات الأكثر ربحاً واستنزافا للتنمية بتوجهه نحو الاستثمار العقاري.؟ وهل دعم فعلاً الاقتصاد الوطني وساهم في تدعيم ركائز صموده في مواجهة الحصار والعقوبات التي لاحقت وتلاحق لقمة عيش المواطن.؟
المفارقة واضحة، فالدعم المقدم لم يرم الكرة في ملعب رجال الأعمال و الواجبات المترتبة عليهم بل تحول إلى رأسمال عابر للحدود تاركاً خلفه خيبة الأمل، حيث لم يستطع القطاع الخاص تطوير نفسه وإعادة هيكلة مؤسساته وتدريب موظفيه وتسديد ضرائبه وإقامة استثمارات حقيقية ودعم التنمية المستدامة. كما كان مأمولاً منه وبقي مأزوماً مثله مثل القطاع العام ورغم هذه الحقيقة تستمر سياسة إضاعة المال العام. وتمضي الحكومة في مساعيها الحثيثة لترسيخ تطبيقات رؤيتها التي أعلنت عنها منذ بداية عملها، ولكن وللأسف يبدو أن “حصاد ” الجهد الحكومي في هذا الإطار لم يكن وافراً وضرب بقسوة العمق التنموي بصفته المستدامة للسياسة التي تم انتهاجها.
بالمحصلة الشراكة مع القطاع الخاص لا يمكن أن تكون على حساب العمل الحكومي الضامن لحياة الفقراء وللعدالة الاجتماعية ورغم أنها الخيار الوحيد والأكثر إلحاحاً وخاصة في هذا الظرف، إلا أنها بحاجة إلى المراجعة وإعادة ترتيب أوراق الرهان عليها لتحقق الهدف منها ولتكون بحق قاطرة نجاة للاقتصاد وللمواطن.
بشير فرزان