نقطة ساخنة لأنه وطن.. وليس خيمة
ليست مجرّد أرقام جوفاء أو أصوات عجاف، بل حقائق الشاهد عليها هو ذاته من يعانيها ويعاينها متلمّساً مصداقيتها يومياً، إنه المواطن السوري الذي أبى إلاَّ الوطن مقاماً وما بدّل تبديلاً، وليس الشاهد الأعمى القابع خارجاً مشككاً يمتطي حرباء المواقف والعمالة لتجميع ثروة على ظهر المتاجرة بدماء إخوته وأهله ومجتمعه ودمار كل مقومات حاضرهم ومسقبلهم.
والمؤلم أن من سبق ذكرهم أعلاه ونحن نعرف وبشكل شخصي بعضهم، لم يساعدوا -من يتباكون عليهم ومن أهلهم أنفسهم– بـ”سنت” يتيم واحد رغم تجاوز ثروة الواحد منهم عشرة ملايين دولار.
تهمة لم نجازف بإشهارها لولا تأكيد ذوي القربى لنا، وهذا قول نحن مسؤولون عنه.
نترك الشاهد الثاني لمحكمة الضمير والأيام والإنسان، لنشهد لما يعلن في وطني من حقائق اقتصادية، رفع العدو خفية -قبل الصديق- لها راية الإكبار والاحترام، رغم حجم عهر إعلامه التضليلي.
دولة بمثل ما تتعرض له سورية يومياً دون انقطاع، وعلى مدار نحو ثلاث سنوات، وعلى الرغم من الاستنزاف اللحظي للكثير من مقدّراتها الاقتصادية، نعذر مَن يجهل أن يسأل عن سرّ صمودها.
وما يشهد على ذلك أن أهل المنطق والحساب يدركونه، حتى ممن هم كارهون لما يرون ويسمعون..
فرغم كل التدمير والتخريب لا يزال هناك إيرادات وإنفاق، ومن يشكك نحِله إلى القاعدة الاقتصادية البديهية القائلة: “إذا اختلّ أحد طرفي هذه المعادلة سيكون هناك حالة من عدم الإيفاء”.
هنا لن ندعي الوردية في المشهد، وإنما نمتلك الجرأة لكي نؤكد أن ما كان قبل الحرب على سورية، فعلاً ليس كما هو كائن الآن، والخسائر وفوات المنفعة وغير ذلك لا نخفيها، ليس من باب التأكيد أن ما نتعرض له مؤامرة تستهدف المنطقة بكل مكوناتها وإمكاناتها، بل أيضاً من باب المسؤولية الواجبة التي أثبتت الدولة أنها قادرة على حملها وتحمّلها، والدليل البقاء الدائم لكل مؤسساتها وعلى كل الصعد داخلياً وخارجياً، اقتصادياً ومعيشياً ومجتمعياً.
نتوقف هنا لندع الأرقام تتحدّث عن نفسها..
بلد كان منتجاً ومصدّراً للنفط بمعدل 300 مليون دولار شهرياً زيادة على احتياجاته، أصبح بفضل “ربيعهم” مستهلكاً ومستورداً لـ96% من احتياجاته النفطية ومشتقاتها، ومع ذلك لا تزال أسعار النفط دون حدود التكلفة..
بلد بعد “ثورتهم” تراجع مجمل التحصيل الضريبي فيه من 5-6 مليارات ليرة إلى 50 مليون ليرة يومياً، ومع ذلك لا يزال يقدّم ما يستطيعه في ظل استنزاف محاصيله الاستراتيجية، وخاصة القمح الذي يسرق ويباع في تركيا من العصابات المسلحة، ومع هذا لديه 2.9 مليون طن مخزون استراتيجي، وكيلو الخبز يباع بتسع ليرات بينما تكلفته أضعاف أضعاف هذا الرقم..
بلد وصلت فاتورة دعمه الاجتماعي إلى 615 مليار ليرة سورية من 1.380 مليار، وفق سعر 80 ليرة للدولار وليس 164 ليرة، وفيه 2.5 مليون موظف لا يزالون يتقاضون رواتبهم التي تصل إلى 609 مليارات سنوياً..
بلد لديه 6 ملايين متضرر من الأزمة ضمن سورية قدّم لهم حتى الآن 100 مليار ليرة، 70% منها من موازنة الدولة، والباقي من المجتمع الأهلي، ووصل مجموع ما دفع لمن تضرّر بيته أو مشغله 19.4 مليار ليرة، ورصد لهذا العام 50 مليار ليرة..
بلد “يا رعيان البترودولار”، كان وكان.. النفط فيه يؤمّن له 50% من موازنته، دمّرتم نفطه بنفطكم فحرمتم شعبه وشعبكم!، لكنه لا يزال بلد الإعجاز لأنه وطن وليس خيمة.
والسؤال برسم كل سوري: ماذا سيحلّ بالممالك والمشيخات لو ذهب نفطها؟.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com