“كود ويل هانتينك” في النادي السينمائي
عُرض فيلم “كود ويل هانتينك”-إخراج غس فان سانت، سيناريو بن أفليك ومات ديمون-في النادي السينمائي الذي تقيمه مؤسسة أحفاد عشتار بإدارة د. أيسر ميداني بالتعاون مع وزارة الثقافة في سينما كيندي دمشق.
يتناول الفيلم بأحداثه التي جرت في التسعينيات في جنوب بوسطن التنازع على العقل البشري وتوظيفه لمصلحة الاستخبارات الأمريكية، ليكشف دور مركز الأمن القومي الذي يعمل على الشيفرات وفك الرموز بمراقبة العالم، وبدت مقولة الفيلم بمشهد صغير تمّ تمريره ضمن السياق الدرامي، ليرتبط بتفاصيل العنف ومحاولة تسيير الآخر لمصلحة ما تبدو ظاهرياً أنها إيجابية، مما يطرح تساؤلات يجيب عنها المخرج باحتمالات مفتوحة للمتلقي، هل يستطيع الشغف بأمر ما إجبار الإنسان على التخلي عن إنسانيته ومشاعره؟
يبدأ الفيلم من المعهد التقني-ماساتشوستس- الذي يدرس النظريات الرياضية والفيزيائية، فيراهن البروفيسور لامبو الحائز على جائزة فيلدز بالرياضيات التي تعادل جائزة نوبل، بوضع معادلة صعبة على الجدار في الممر الخارجي بانتظار أن يحلها أحد الطلاب، ليكتشف الحل الصحيح ولا يعرف من تمكن بذكائه من حل المعادلة، إلى أن يرى ويل الحارس الليلي بالمصادفة وهو يحل المعادلة ويسجل الرموز والأرقام على اللوح المثبت على الجدار. ومن هنا تبدأ القصة في محاولة سيطرة البروفيسور الذي يعترف بنبوغ ويل- مات ديمون- الشاب البسيط الذي تلقى تعليماً متوسطاً، ويعمل عامل بناء في الصباح وحارساً للمعهد ليلاً ويقوده شغفه إلى التسلل ليلاً لحل المعادلات التي يعجز عنها الطلاب.
ومما يشد الانتباه قوة الحوار وجمالية التحليل من خلال الحوارات الدائرة بين الطبيب النفسي شون-روبين ويليامز- وويل حول الفن واللوحة التي رسمها شون وحاول فيها التجديف عكس العاصفة، ليعترف بمشهد مؤثر بأنه من الخطأ أن يفعل الإنسان ذلك، إلى حوارات تتعلق بشكسبير وموزارت والنظريات الرياضية في العالم، وتكاملية المجتمع بحيث يؤدي كل فرد دوره وعمله الذي يساعد الآخرين، مثل دور سائق القطار وعامل البناء وغيرهم، إلى فلسفة الحب، لنصل إلى التداعيات التي ركز عليها المخرج مثل موت زوجة شون بالسرطان، وخوف ويل من الاعتراف لحبيبته سكاريلر الفتاة الثرية التي تفاجأ بحل ويل المعادلات التي تعجز عن حلها بأنه يتيم. الأمر الهام الذي استدرجه المخرج بسياق جلسات التحليل النفسي هو استرجاع الذاكرة الطفولية، وحديث الطبيب شون عن والده المخمور الذي يعود ليلاً ليمارس العنف على أسرته فيستفزه الطبيب حينما كان طفلاً، ليبعد العنف عن أمه وأخيه الصغير، فيستذكر ويل صورة والده بالتبني الذي كان يضربه بعنف بأدوات حديدية، ليمرر المخرج بطريقة غير مباشرة الانحطاط الأخلاقي وسوء التربية للآباء، لكن الأشد وقعاً هو عنف الأب بالتبني مما يدل على فقدان الرقابة الاجتماعية بالمجتمع الأمريكي.
في نهاية الفيلم يستعيد ويل ذاته ويقرر الابتعاد عن كل الإغراءات في مركز الأمن القومي والعمل مع البروفيسور واللحاق بحبيبته التي تركت بوسطن وذهبت إلى كاليفورنيا لدراسة الطب، ويترك المخرج الاحتمالات مفتوحة حول ذاك الشغف بالنظريات الرياضية الذي كان من المحتمل أن يجعل ويل يشارك بمركز القيادة.
مشهدية الذاكرة والواقع
تفاعل جمهور النادي السينمائي تفاعل مع تحليل المضامين الاجتماعية والنفسية للفيلم ولم يركزوا على الأسلوب الإخراجي للكاميرا الواقعية التي برع فيها المخرج باختيار الأمكنة بدقة وجعلها شريكاً بالحوارات، وفي الوقت ذاته لم يتخل عن الرومانسية لاسيما في مشاهد اتصال ويل مع حبيبته من هاتف الطريق على وقع نغمات ارتطام المطر الغزير بالأرض، وفي المشاهد العاطفية التي اتسمت بتعتيم الصورة والتركيز على الحوار الصوتي، والأكثر إثارة في مشاهد الاسترجاع للعنف في مرحلة الطفولة بتصوير أقدام الأب وهو يصعد على الدرج بمشهد يتداخل بين الذاكرة والواقع.
مصالحة مع الواقع
أدارت الحوار د. رندا رزق الله فتحدثت عن الموقف الذي تعرض له ويل بين الضغط للتعافي من سلوكيات العنف والاستهتار التي يقوم بها ويل ليكون جاهزاً للعمل مع البروفيسور، وبين الإقناع والثقة التي منحه إياها الطبيب، لتتوقف عند توظيف الولايات المتحدة العقل البشري لمصلحتها مستعيدة الجملة التي ذكرها ويل برفضه أن يكون “مفخخ رسائل” للاستخبارات الأمريكية، وتابعت حول أهمية العلاج النفسي، لتصل إلى أن الجيل الجديد مقتنع بالطب النفسي وبالتعامل معه بشكل إيجابي.
وتوقفت ريم عبسي المشرفة على النادي عند الخوف من الماضي الذي جعل ويل يهرب من حبيبته، ودارت نقاشات حول العنف بأنواعه لاسيما العنف اللفظي.
ملده شويكاني