ثقافة

أحد أشهر الكوميديين العرب أحمد الأحمد: التعاطي مع العمل الكوميدي جائر وظالم

مقل في حواراته لا سيما التلفزيونية، حيث لا تغريه اللقاءات والخوض في نقاشات مختلفة وفي كل المواضيع، لأنه لا يدّعي أن لديه القدرة على فعل ذلك، فهذا برأيه يحتاج إلى مهارة ربما لا يمتلكها، وهو الذي لا يعرف كيف يكون مقنعاً للجمهور بعيداً عن التمثيل، مفضلاً التوجه للكاميرا لأنه اللقاء الأهم والأفضل بالنسبة له، ولكن للطفه ودماثته وتواضعه الشديد ومع إصرار “البعث” على حواره وافق.. من هنا ابتعدنا في حوارنا معه عن الخوض في أخباره الفنية التي تتناقلها عادة وسائل الإعلام المختلفة بشكل يومي للوقوف على بعض آرائه حول فن الكوميديا، وما قدمه من أعمال ولاسيما الأخيرة منها مثل “بانتظار الياسمين”.
“بريمو”
وللنجاح الكبير الذي حققه مسلسل “بانتظار الياسمين” بيّن أحمد الأحمد الذي جسَّد فيه شخصية “بريمو” أنه ورغم تعدد الأعمال التي تحدثت عن الأزمة إلا أن “بانتظار الياسمين” برأيه حقق نجاحاً مختلفاً سببه أن الأحداث التي تدور فيه هي أحداث ما زالت طازجة وحقيقية غير مفترضة أو متخيلة، منوهاً أن طبيعة الحدث في العمل كذلك كانت لا تتطلب من الممثل استحضار شخصيات من الذاكرة، والجميع يعيش هذا الحدث بكل تأثيراته، لذلك كانت الشخصيات المتناولة في العمل شخصيات حية تعيش بيننا وفي محيطنا، وقصصهم تشبه الكثير من القصص التي بتنا نسمع بها، هذا من حيث المضمون، ومن حيث الشكل فقد اشتغل المخرج برأيه بدقة متناهية على كل التفاصيل المتعلقة بالأحداث والشخصيات، أما شخصيته بريمو والتي تركت أثراً كبيراً في نفوس المشاهدين فقد أكد أن لكل زمان رواته وشهود عيانه.. من هنا كان “بريمو” و”نزار” الشخصية التي أداها الفنان محمد حداقي شاهدَي عيان على ما كان يحدث في الحديقة من قصص، مشيراً الأحمد إلى أن بناء هذه الشخصية بشكل دقيق وواضح في النص هي التي ساعدته على إعطاء هوية وملامح لها، منوهاً في الوقت ذاته إلى أن نجاح الممثل عادةً في تجسيد شخصية من الشخصيات هي نتاج تعاون مثمر ومتكامل ما بين الكاتب والمخرج والممثل، مؤكداً  الأحمد وهو من القلائل الذين برعوا في تقديم كركترات صعبة أن نجاحه في الدرجة الأولى يعود لمشاركته في أعمال تقوم على أركان صحيحة على صعيد جودة النص وقدرة كاتبه على رسم الشخصيات بدقة، ليقوم الممثل بعد ذلك بتفعيل ما كتبه الكاتب ومنح الشخصيات روحاً ودماً وهوية معينة، وهذا يعني برأيه بأن الممثل إن توفرت له أرض خصبة في النص يجب أن يعمل على تفعيلها بشكل جيد ثم يأتي دور المخرج في تشذيب ما بناه الكاتب والممثل ليقودها بالاتجاه الصحيح وهي عمليه فنيه احترافية (كاتب ـ مخرج ـ ممثل) بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، مبيناً الأحمد أن اجتهادات الممثل في بناء شخصيته تتم من خلال استحضاره لما في ذاكرته بما رآه وشاهده وقرأ عنه، وبالتالي فإن التراكم الموجود لدى الممثل من قراءات واجتهادات ومشاهدات تترك لدى الممثل ذاكرة ما ومخزوناً يستقي منه ما يشاء لبناء شخصياته.
ويوضح الأحمد أن هذا التعاون (كاتب ـ مخرج ـ ممثل) حدث معه كثيراً وقدم من خلاله تجارب كثيرة أثمرت نتائج جيدة، وهذا الأمر تكرر معه وسيتكرر برأيه مرات عديدة، لأن نجاحها يعني أن الأمر ممكن عندما تتوفر النية الحقيقية لهذا الثالوث، منوهاً الأحمد إلى أن العمل إذا بني على أساس أن المخرج هو الأفضل والنص أو الممثل لا شيء فهذا يعني أن طرفاً من الأطراف يحاول تحميل المسؤولية على طرف من الأطراف في حال النجاح أو الفشل، وهذا أمر غير صحيح، مع إشارته أيضاً إلى ضرورة توفر الشرط الإنتاجي الجيد جداً لإنجاز عمل ناجح.
وعن تعدد المخرجين في مسلسل “بقعة ضوء” الذي يشارك فيه الأحمد بشكل شبه دائم وبين سلبيات وايجابيات ذلك يوضح أن هناك مخرجين يقولون أن هذا العمل عمل ممثل وهناك ممثلون يقولون أن هذا العمل عمل كاتب أو مخرجين أما هو فيرى أن هذا العمل وباعتباره يعتمد على عدة كتاب يحتمل وجود عدة مخرجين له، لكن يجب أن يتوفر هذا الفهم بين الكاتب والمخرج والممثل لأن النجاح في النهاية يتوقف على هذا الفهم والانسجام بين الجميع.

البحث عن القيمة
ولأن الأحمد ينجح كثيراً في تجسيد الكركترات الشعبية يبين أن معظم المخرجين يسندون له هذه الشخصية لنجاحه في تجسيدها، معترفاً أن النجاح الشعبي لا يعني نجاحاً فنياً أو أكاديمياً أو نخبوياً، مشيراً إلى أن هناك ممثلين يبحثون عن النجاح وآخرين يبحثون عن القيمة والأحمد من الأشخاص الذين يحبون النجاح ولكن في الوقت ذاته يبحث عن قيمة ما، لذلك هناك أعمال قدمها كانت بالنسبة له أهم ما قدمه رغم أنها لم تحقق النجاح الجماهيري الذي حققته أعمال له أخرى كشخصيته في مسلسل “المفتاح” لهشام شربتجي.
ولأن من الصعب على الفنان بالمطلق أن يعرف إن كان العمل الذي سيشارك فيه سيحقق النجاح أو لا إلا أن الأحمد يستند في قبوله المشاركة في أي عمل على مقومات أساسية لها علاقة بالمخرج والنص وشركة الإنتاج، فإن توفرت هذه المقومات برأيه تصبح نسبة توقع الفنان لنجاح عمله عالية دون أن ينسى الأحمد الإشارة إلى أن توقيت العرض ونوع القناة التي يعرض عليها عوامل تؤثر على نجاح أي عمل، مؤكداً أيضاً أن التقييم النهائي لأي عمل يكون للجمهور وعادة ما يترجم من خلال تعبير الناس عن محبتهم للعمل بشكل عام ومحبتهم للشخصية التي يؤديها ممثل من الممثلين، وهذا يلمسه الفنان بشكل مباشر من خلال الشارع ووسائل التواصل. وبرأي الأحمد هناك تقييم آخر له علاقة بالنقاد والنخبة والأجمل كما يشير عندما يصبح هناك إجماع على أداء معين لممثل من الممثلين وهذا إن تحقق يعني أن الممثل نجح في إقناع الطرفين: الجمهور والنخبة وهي معادلة ليس من السهل تحقيقها، معترفاً الأحمد أن تقييم الآخرين يعنيه كثيراً وهو يصغي لكل التقييمات ويستمع لكل الملاحظات حتى يرى أخطاءه لأن المهنة التي يعمل بها هي للآخرين.

الكوميديا فن مهم
ويبيّن الأحمد وهو اليوم من أشهر الكوميديين العرب أنه دخل عالم الكوميديا لميله لهذا النوع من الفن وقد طور هذا الميل من خلال دراسته، كما لا يعتبر العمل الكوميدي مغامرة وليس لديه مشكلة في أن يصنف كممثل كوميدي، أو أن يعمل في أعمال كوميدية فقط، فهذا برأيه ليس عيباً، لكنه كأي ممثل يحب أن ينوّع في أدواره، موضحاً أنه ليس لديه مشكلة في أن يحترف هذا النوع من الفنون وهو يعرف أن بعض الفنانين يرفضون ذلك ويشعرون أن الكوميديا شبه عيب، مشيراً الأحمد إلى أن الأمور تراكمت إلى أن وصل البعض في قناعته بأن الكوميديا تهمة والسبب برأيه رأس المال الذي يتعامل في سورية تحديداً مع العمل الكوميدي على أنه عمل خفيف يرصد له ميزانية محددة تكاد تكون نصف ميزانية أي عمل آخر، وهذا يؤثر على تسويق العمل وآلية تعاطي الممثل والكاتب والمخرج معه والذين غالباً لا يقدَّم لهم الأجر الجيد فيه، وبالتالي فإن التعاطي مع العمل الكوميدي برأي الأحمد ما زال جائراً وظالماً، في حين أن هذا التعاطي معها مختلف في مصر التي تتعامل مع الممثل والكاتب والمخرج للأعمال الكوميدية بشكل مختلف على صعيد التسويق والأجر، منوهاً الأحمد إلى أن الجمهور أيضاً غالباً ما يتعامل مع العمل الكوميدي باستخفاف حين تتشكل لديه قناعة أن بإمكانه مشاهدة العمل الكوميدي أثناء الغداء والعشاء أو حتى أثناء الفطور الصباحي ليخصص وقتاً آخر لمتابعة العمل التراجيدي الذي يحتاج إلى التركيز أكثر، وهذا خطأ كبير لأن الكوميديا برأيه لا تقل شأناً وأهمية عن أي صنف درامي آخر لذلك يجب إعادة النظر فيها مع إشارة الأحمد إلى أن الكوميديا مدارس وأنواع، ولكل نوع جمهوره الذي يتابعه ولا يوجد عمل كوميدي تافه لمجرد أنه كوميدي، مبيناً أن أكثر الأنواع الكوميدية انتشاراً لدينا هي الكوميديا الاجتماعية وتقوم على تقديم تفاصيل ويوميات المجتمع السوري.
ويرفض الأحمد الإقرار بتعثر الأعمال الكوميدية ومقارنتها بالأعمال التراجيدية ويرى أن هذه المقارنة جائرة حين نقارن خمسة أعمال كوميدية بنحو 30 عملاً تراجيدياً موضحاً أن المقارنة تجوز حينما يصبح عدد الأعمال الكوميدية مقارباً لما ينتج من أعمال تراجيدية.

رأس المال
ويأسف الأحمد في نهاية الحوار لأن رأس المال هو الذي يتحكم بكل ما يقدم وهو الذي أخذ درامانا باتجاهات مختلفة وأن محاولة سحب البساط من تحت أقدام درامانا كانت ولا زالت وستبقى، لذلك دعا الأحمد العاملين في هذه المهنة للدفاع عنها وأن توجد الجهات المعنية أسواقاً لترويجها لأن أي منتج لا سوق له سيبقى أسيراً لسلطة الآخرين وهذا أكبر مطب وقعت فيه الدراما.

أمينة عباس