قراءة اقتصادية في شهر رمضان الفضيل
شهر رمضان هو شهر الصيام، الذي من المفترض أن يشكل الصائمون نسبة غير قليلة من البالغين، الذين هم عماد الإنتاج الوطني، والذي من المفترض أن يتحلوا بالمزيد من الاستقامة خلال هذا الشهر، هذه الاستقامة التي من المتوجب أن تحد وتخفف الكثير من غير المستحسن، ما يؤسس لارتياح مجتمعي بيني ضعيف الامتعاض والتشنجات، يدفع باتجاه أداء العمل فردياً وجماعياً بكل أريحية، ما يحقق أعلى إنتاجية نوعياً وكمياً، تنعكس رخاء ورفاهية على جميع أبناء الوطن.
هو الشهر الذي تختصر فيه الوجبات الغذائية إلى اثنتين بدلاً من الثلاثة أو الأكثر المعتادة عند الكثير منهم، ومن المفترض أن ينجم عن هذا التقنين وفر كبير إلى الأشهر التالية، ما ينعكس خيراً على اقتصاد الأسرة واقتصاد البلد، كما أنه شهر الخير شهر الإحسان، الذي يوجب على الميسورين التصدق على الفقراء والمحتاجين، خلال الشهر ومع حلول عيد الفطر، هذا الإحسان الذي سيكون له تبعات اقتصادية ذات فائدة كبيرة عند محتاجي هذه الصدقات، وسيزيد من دعم اللحمة الاجتماعية، وخاصة بين طرفي المحسنين الذين يعطون راغبين مختارين بلا منة منهم، والمحتاجين الذين يتملكهم الشعور، أنهم قد حصلوا على بعض حاجتهم كرماً لا استجداء.
ومدعاة للسرور الوطني الكبير، أن شريحة المحسنين في هذا الشهر، لا تقتصر على الصائمين، بل كثير من غير الصائمين يعوضون عن عدم صيامهم ببعض الإحسان، كما أن العديد من المحسنين -من غير المسلمين– يتميزون بإحسانهم خلال هذا الشهر، انطلاقاً من أخلاقياتهم الوطنية العالية، والأكثر مدعاة للسرور أن كثيراً من المحسنين – صائمين أو غيرهم – لا يقتصر إحسانهم على طائفة دون أخرى، وحالات كثيرة من ذلك نشهدها على مدار العام، ما كان منها من محسنين أفراد أو من جمعيات خيرية، ومن المعتاد أن تزداد هذه الحالات خلال شهر رمضان، والتي نشهدها أيضاً خلال فترة الصوم عند الإخوة المسيحيين، ومن الجدير بالذكر أن رجال الدين الأفاضل من جميع الطوائف يحضون على المزيد من ذلك.
أيضاً من المفترض بل من المؤكد، أن الصائمين الذين يشكلون نسبة غير قليلة من المفاصل العملية والقيادية، سيحدُّون كثيراً من حالات الفساد والكسب غير المشروع وضعف الأداء والغش في الإنتاج والبيع بأسعار عالية، التي كان من المعتاد ارتكاب بعضها خلال العام، بل كثير من غير الصائمين ينحون هذا المنحى، خشية منهم أو مراعاة لمن حولهم، وعلى الأغلب ستعلي حرمة الصيام من جرأة الصائمين وغير الصائمين في الدلالة العلنية على مرتكبي هذه المخالفات المشكو منها، خاصة من غير المعتادين عليها، وتحديداً من المتضررين منها بشكل مباشر أو غير مباشر. وغالباً ما يؤسس ذلك لاستمرارية مماثلة – ولو جزئياً – خلال الأشهر القادمة من العام. قد يقول البعض: إن المنعكسات الاقتصادية الخيرية الوطنية العامة للصيام، أقل مما يروَّج لها، لأن نسبة الصائمين الفعليين أقل مما يظهرها الشارع، وبعضهم لا يفهم الصيام إلا بانقطاعه عن الطعام والشراب خلال النهار، ولا يرتدع عما كان يمارسه من قبل، إلا أن واقع الحال يظهر وجود ذلك بالحد الأدنى، ولا زال أعداد الخيرين يشكلون الأغلبية، بدليل أن نسبة غير قليلة من غير الصائمين – مسلمين أو غير مسلمين – يحترمون حرمة الشهر، ويخففون الكثير من سلبياتهم، التزاماً خيارياً منهم، أكثر مما هو إلزاماً إجبارياً لهم، كل ذلك يؤكد وجود منعكسات اقتصادية إيجابية مشهودة لشهر الصيام، وإن لم تكن بالحد الأكبر المتوخى.
قد يرى بعضهم أن خسائر كبيرة يتكبدها الاقتصاد الوطني، جراء تخفيض ساعات الدوام ساعة صباحية كل يوم، خلال أيام شهر رمضان، إلا أن واقع الحال يظهر أن هذه الساعة لا تشكل الخطر المدَّعى به، لأن معظم الإدارات والمؤسسات والمنشآت تحرص على إنجاز الأعمال المنوطة بها خلال بقية ساعات اليوم، وأخلاقيات العاملين الوطنيين تدفعهم لذلك، علما أن تخفيض ساعات الدوام كان أكثر من ذلك خلال الأعوام السابقة. والأمل كبير بأن تنعكس ممارسات شهر الصيام اجتماعياً واقتصادياً، أسرياً ووطنياً، على بقية أشهر السنة، وأن يقتدي الجيل الناشئ بالأداء الحسن للآباء والأجداد، وأن يتعظ مما شهده من سلبيات كان لها الكثير من الخطر، وأن تتملكه الهمة والاهتمام في بناء غد وطني أفضل، وأما أولئك الذين لا يرعووا عن غيهم وضلالهم في شهر الصيام أو غيره، فسيلفظهم المجتمع، وستحل بهم الطامة الكبرى ولو بعد حين، وجميع الوطنيين الشرفاء معنيون بالتشهير بهم وتقزيم دورهم.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية