النظام العالمي الجديد
هيفاء علي
أثار نهوض الصين العالمي وطمأنة روسيا جدالاً حيوياً إزاء استمرار النظام العالمي الليبرالي بقيادة الولايات المتحدة، ولهذه المواجهة العالمية جوانب عديدة أهمها الصراعات والحروب في الشرق الأوسط، وفي أوكرانيا وفي بحر الصين الجنوبي، والعقوبات الأمريكية والأوربية ضد روسيا، والحرب التجارية ضد الصين، والحرب الالكترونية، والتوترات الأمنية حول مجموعة الخمس والاتصالات السلكية واللاسلكية، والأزمة الفنزويلية، وطريق الحرير الجديد، وأخيراً وليس آخراً العمل على وضع نظام مالي بديل للنظام الغربي و منفصل عن الدولار. هذا الجدل زعزع القوانين الدولية السارية و ثمة مطالب بتعديلها، وبعد النظام العالمي الأحادي القطب، 1945-1991 ، يشهد العالم ولادة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب ومتنوع ثقافياً ومتحرر من العقبات الأمريكية.
وبالفعل ظهرت ملامح وعوامل كانت جميعها حاسمة نحو هذا التحول، ولعل أهمها خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مؤتمر ميونيخ للأمن 2007، والأزمة المالية لعام 2008 ، ووصول شي جين بينغ إلى السلطة في الصين في عام 2013، تليها إطلاق بنك الاستثمار الآسيوي في البنية التحتية و مشروع طريق الحرير الجديد ، وكذلك الموجة الشعبوية الأوروبية.
و لكن قبل ظهور هذه القوى الجديدة متعددة الأقطاب بوقت طويل أطلقت إيران من خلال ثورة 1979، تحدياً منتظماً للنظام العالمي الليبرالي الغربي. ثورة شكلت نموذجاً سياسياً واجتماعياً يمثل إهانة للنموذج السياسي الغربي والعلماني، وجمعت بين عصرين لا يمكن التوفيق بينهما: الثيوقراطية والديمقراطية. إذ شكل آية الله الخميني حكومة من خلال نظام جمهوري. وكان تاريخ إيران اللاحق، لا سيما علاقاتها المضطربة مع الغرب، يدور حول التوترات الناتجة عن تفاعل هذين القطبين المتعارضين لتوليد عدم فهم لا يمكن التغلب عليه في نهاية المطاف. لم يوافق الغرب أبداً على فكرة أن الثورة الشعبية في العالم المعاصر والعلماني كان يمكن أن تنتج حكومة دينية محافظة.
كان لدى المجتمع والمؤسسات الإيرانية دائماً شعور بالمعارضة للأنماط المفروضة من الخارج. وعلى مدار القرن العشرين، أحبط الغرب وحلفاؤه تطورها المستقل وهذا ما عزز الرأي القائل بأن علاقات إيران مع الغرب كانت تستند إلى منطق المواجهة وقمع الهيمنة، وقد تطور هذا إلى هوية وطنية تقوم على المقاومة ضد الأجانب. فالجمهورية الإسلامية الإيرانية تعارض فكرة تقليد الغرب بشكل أعمى وتحذر على الدوام من الأخطار المتمثلة في التراخي الأخلاقي والظلم الاجتماعي وانخفاض قيمة الدين والهوس بالمال.
بعد عام 1979، لم يعد تاريخ وثقافة الشرق الأوسط على الهامش، بل هما الأساس، وبعد أربعين عاماً أصبحت إيران أهم المعارضين لسياسات واشنطن ومصالحها في الشرق الأوسط . لقد كانت الطموحات النووية الإيرانية والتدخل الإقليمي مصدر قلق دائم للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين والعرب، بينما بالنسبة للزعماء الثوريين في طهران، فهي شكل من أشكال الدفاع الوقائي ضد خطط تغيير النظام المزعومة التي تقودها واشنطن والقدس والرياض.