أغراض انتخابية أم إرضاء للسعودية؟
علاء العطار
لا تزال العلاقة المتوترة بين الولايات المتحدة وإيران تشد أنظار العالم أجمع، والجميع عاجز عن فهم هذه العلاقة التي يكتنفها الغموض من كل جهة تقريباً، خاصة وأن التصريحات الأمريكية تتباين باستمرار، فتتسم تارة بالجدية وتارة لا يتبدي عليها علامات الجدية التامة، وأحدث أمثلة ذلك اعتراف ثلاثة مسؤولين أمريكيين بأن المعلومات الاستخباراتية الخاطئة هي التي تسببت في تصعيد البيت الأبيض لتحذيراته وتهديداته، إذ أفادت الاستخبارات أنها التقطت صوراً لصواريخ إيرانية محمولة على قوارب صغيرة تجوب مياه الخليج العربي؛ ما أذكى المخاوف من قيام الحرس الثوري بإطلاق تلك الصواريخ على السفن الأمريكية.
تبدو هذه حجة واهية تستعملها الولايات المتحدة كسلاح ذي حدين، إذ يمكن استخدامه للتصعيد، كما حدث عندما أصدر البنتاغون بياناً بأنه أرسل سفينة هجومية برمائية وبطارية صواريخ باتريوت إلى الشرق الأوسط، وأن هذه التعزيزات “ستنضم إلى حاملة الطائرات أبراهام لينكولن وقاذفة تابعة لسلاح الجو الأمريكي في الشرق الأوسط، رداً على مؤشرات رفع الجاهزية الإيرانية لشن عمليات هجومية ضد القوات الأمريكية”.
ويمكن استخدام هذا السلاح لتخفيف حدة التوتر عبر وضع تبريرات تخول للإدارة الأمريكية التراجع عما بدر منها، فقد قال العديد من المسؤولين الأمريكيين إن تحركات إيران قد تكون دفاعية في الغالب، وما هي إلا رد على الاستفزازات الأمريكية.
في كلتا الحالتين، تعكس الأسئلة المتعلقة بالمعلومات الاستخباراتية، والشكاوى التي قدمها المسؤولون بأنه لم يتم إطلاعهم بالأمر، انعدام الثقة بفريق الأمن القومي في إدارة ترامب، ويمكن استشفاف ذلك من انتقاد نانسي بيلوسي، رئيس مجلس النواب في الولايات المتحدة، للإدارة على افتقارها للشفافية فيما يتعلق بالمعلومات الاستخباراتية، وقالت إنه يتعين على الإدارة التشاور مع الكونغرس قبل اتخاذ أي إجراء.
كما قال السيناتور تشاك شومر “ألم نتعلم من دروس العقد الماضي؟ تفتقر الإدارة بشكل مفزع للوضوح في سياساتها، كما أنها تفتقر للتشاور والاستراتيجية الصحيحة، ينبغي على الرئيس أن يضع الاستراتيجية ويعرضها للكونغرس”، ودعا النائب الديمقراطي سيث مولتون إلى سن قانون يُلزم إدارة ترامب بالحصول على موافقة الكونغرس قبل “الانخراط في الأعمال العدائية” مع إيران.
وحين كان المسؤولون العسكريون يكافحون لتصوير أن التهديد الإيراني يتزايد، قام مسؤولو الاستخبارات بالكشف عن أن أحد صور القوارب الصغيرة وادعوا أنه يحمل صاروخاً إيرانياً، رغم أن الصورة لم تبين بوضوح وجود صاروخ فعلاً.
وجاء على لسان مسؤولَيْن أمريكيَّين أن الصورة لم تكن مقنعة بما يكفي لإقناع الرأي العام الأمريكي والمشرعين والحلفاء بالتهديد الإيراني المتصور، وتذرع مسؤولو الاستخبارات بأن نشر صور داعمة قد يفضح المصادر الاستخباراتية والأساليب السرية لجمع المعلومات الاستخباراتية.
يعلم الجميع أن التهديدات الأمريكية ليست جديدة، بل هي مستمرة منذ إعلان قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979، وإرسال حاملة طائرات إلى المنطقة ليس الأول من نوعه ولن يكون الأخير، وهذا الأسلوب ليس محصوراً بإيران وحدها، فقد استخدمته الولايات المتحدة كثيراً مع العديد من الدول لدرجة أنه بات من السهل توقعه.
لكن حدة التوترات مع إيران تزايدت منذ أيار الماضي عندما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي لعام 2015 الذي أبرمته القوى العالمية مع طهران، وأعادت الولايات المتحدة فرض عقوبات على البلاد في تشرين الثاني، لكن يبدو أن الولايات المتحدة تريد تخفيف حدة التوتر، فربما أدركت أنه لا يمكن الاستهانة بهذه الدولة، وعليها أن تفكر ملياً قبل الإقدام على أي عمل عدائي تجاهها، وما إرسالها لهذه الأساطيل إلا مجرد استعراض عسكري.
كما أن الولايات المتحدة لا تريد فتح جبهة جديدة؛ لأن أهدافها في العراق وسورية لم تتحقق بعد، خاصة وأن الرأي العام الأمريكي يعارض دخول البلاد في حرب جديدة، وهو الذي أجبر أوباما على الانسحاب من العراق في عام 2011، عداك عن أن حصر حاملات الطائرات والسفن الحربية والغواصات في مياه الخليج العربي يقلل من قدرتها على المناورة ويجعل استهدافها سهلاً للغاية.
لكن لا يزال مبهماً هدف ترامب من وراء ضغوطه على إيران، هل يهدف يا تُرى إلى استجداء المسؤولين الإيرانيين للجلوس على طاولة الحوار حتى يخرج باتفاق جديد يستغله لأغراض انتخابية؟ أم إلى إضعاف النفوذ الإيراني إرضاء للسعودية، أو لحث السعودية على دفع المزيد من المليارات للإدارة الأمريكية؟ لا أحد يعلم بالتحديد، فربما هناك أبعاد أخرى غفل عنها العديد منا.
يبدو أن الإدارة الأمريكية قد استنفدت كل ما بحوزتها من الذرائع للضغط على الدول الأخرى، ولم يعد لديها القدرة على ابتكار حجج “مقنعة” جديدة، لذا تجدها ملتصقة باختراع حجج واهية، فتارة تُصعِّد وتارة تتراجع، وهذا لا يمت بصلة لاستراتيجية “الكر والفر”، بل إنه تخبط في عملية صناعة القرار، رغم أن أمامها خيارين لا ثالث لهما، إما الصدام العسكري وإما الرجوع إلى مائدة المفاوضات.
لكن هذا التخبط ينذر بالخطر، ولاسيما بوجود ترامب في البيت الأبيض الذي يشبه بعقليته طفلاً يحمل أعواد الكبريت وأمامه العديد من المتفجرات، ولو خطر بباله فجأة إشعال حرب في المنطقة فسيفضي ذلك إلى دمار سيطال العالم أجمع؛ لذا على جميع الدول أن تتعاضد لإنهاء هذا التوتر وتجنيب العالم حرباً ضارية لا ظافر فيها، وعليها أن تضع حداً للدول التي تنفق المليارات لإذكاء هذه النار، أمثال السعودية عراب الصراعات في الشرق الأوسط.