معركة ادلب ومراوغة أردوغان
علي اليوسف
كل المؤشرات تدل على أن النظام التركي سيتحمل تبعات سياساته الخاطئة في سورية، ففي أيار 2017 ، واتفقت كل من روسيا وتركيا وإيران، في عملية أستانا / سوتشي على إقامة مناطق خفض تصعيد، وقد تم تنفيذ العملية بنجاح في جميع المناطق باستثناء ادلب نتيجة تخلى نظام أردوغان عن التزاماته الدولية تجاه الشركاء.
لم تتحمل تركيا أي مسؤولية في مناطق خفض التصعيد التي تم الاتفاق عليها، لكنها كانت مهتمة بإدلب فقط لأنها متاخمة لتركيا بالدرجة الأولى، ولمآرب أخرى منها استخدام الإرهابيين كورقة ابتزاز، علماً أن مذكرة أستانا، وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يذكر بالتفصيل أن “داعش”، و”جبهة النصرة” والجماعات الأخرى المرتبطة بتنظيم “القاعدة”، والتي تشمل “هيئة تحرير الشام” سيتم الاحتفاظ بها خارج نطاق وقف إطلاق النار، وهذا يعني أن هذه الجماعات يمكن أن تكون مستهدفة في العمليات العسكرية.
والآن بعد أن حررت الحكومة السورية عدداً كبيراً من المدن والمناطق، تحولت إلى المجموعات الإرهابية المتواجدة في إدلب. عندما استعدت الحكومة السورية لشن هجوم إدلب في أيلول الماضي، طلبت تركيا تأجيل العملية حتى تتمكن أنقرة من “إقناع” الفصائل المسلحة بإلقاء السلاح.
وافقت روسيا على اقتراح تركيا وأقنعت دمشق بتأجيل العملية، وهذا أدى إلى اتفاق سوتشي، لكن أنقرة أخلّت بوعودها، ولم تقم بأي إجراءات حقيقية لنزع سلاح الفصائل المسلحة، بل تغاضت عن خروقات تلك المجموعات، وقدمت لهم مدرعات وعربات تنقل، وسهلت لهم الاعتداءات على وحدات الجيش العربي السوري المتمركزة في نقاط خفض، وأكثر من ذلك بدأت “هيئة تحرير الشام” ” النصرة” سابقاً بتوسيع المناطق الواقعة تحت سيطرتها إلى حوالي تسعين بالمائة من المحافظة.
كل هذه الأسباب وأهمها الخروقات اليومية لتلك المجموعات الإرهابية، والاعتداءات على المدنيين في القرى المجاورة الآمنة، ومناشدة الأهالي، دفعت بالجيش العربي السوري لوضع حد لاعتداءات هؤلاء الإرهابيين بدعم من القوات الجوية الروسية.
وأمام تحرك الجيش العربي السوري، عاد نظام أردوغان للاتصال مع الجانب الروسي للالتفاف مرة أخرى على تفاهمات سوتشي، أو إيقاف العملية العسكرية حتى انطلاق جولة المحادثات القادمة، لكن يبقى أن نرى ما إذا كان يمكن إحراز أي تقدم في ظل الظروف الحالية، لأن روسيا وسورية لا ترغبان في تأجيل العملية العسكرية في إدلب إلى أجل غير مسمى. بالإضافة إلى أن الصين مهتمة بالقضاء على الإرهابيين في إدلب، وخاصة الايغور منهم الذين تربطهم علاقات لغوية وثقافية وثيقة مع الأتراك، وهذا ما من شأنه أن يلقي بظلاله على العلاقات التركية الصينية خاصة بعد ترحيب أنقرة بهؤلاء المقاتلين في تركيا.
يتناقض موقف النظام التركي مع التزامه المتكرر بدعم السيادة السورية. ومن الواضح حتى الآن، ومن خلال المراوغة التركية أن نظام اردوغان يريد تحويل إدلب إلى ملاذ آمن للإرهابيين، ومن المؤكد أنها أي أنقرة ستواجه رفضاً قاطعاً من الجانبين السوري والروسي، وحتى المجتمع الدولي بقبول مثل هذا التحول. الاستثناء الوحيد قد يكون واشنطن، لأن الولايات المتحدة تفضل موقفا سورياً ضعيفاً ونزاعاً مفتوحاً باتظار امتلاك الاوراق التي تعتبرها مهمة لفرض شروطها للحل.