أخبارصحيفة البعث

المنطقة على صفيح ساخن

 

يتعمّد محور الحرب في المنطقة أن يقوم باستفزازات كثيرة في الآونة الأخيرة بشكل متناوب ضد أطراف محور المقاومة، في محاولة لإرهاب هذا المحور، والإيحاء بأنه قادر في أي لحظة على إلحاق الأذى به ومحاصرته.
هذا في الظاهر، أما في الحقيقة فإن محور الحرب بات يشعر بأن كل محاولاته لإظهار القوة لم تعُد تجدي نفعاً، حيث وصل إلى نتيجة مفادها أن الهزائم المتكررة له على جميع الجبهات لا يمكن أن يدّعي معها حصاد أية نتائج على الأرض، فهو في سورية مثلاً لم يستطع تحقيق أي هدف من الأهداف التي توخّاها من حربه المستمرة منذ نحو تسع سنوات عليها، عن طريق عصاباته التكفيرية التي موّلها وسلّحها ودعمها إعلامياً ولوجيستياً وحتى أممياً، للوصول إلى تفتيت المنطقة، وإظهار “إسرائيل” على أنها أفضل الكيانات الموجودة في المنطقة، وبالتالي جعل وجودها طبيعياً بين جيرانها المتناحرين المتصارعين فيما بينهم، لتكون هي أقوى الكيانات.
وفي اليمن لم تستطع الحرب التي يشنها النظام السعودي منذ خمس سنوات، بمشاركة أمريكية إسرائيلية غربية واضحة، أن تجبر الشعب اليمني على الخضوع، رغم الدمار والقتل والإبادة الجماعية، ومحاولات إنشاء كانتونات تابعة لمشيخات الخليج وممالكه العميلة، وكل ذلك كرمى لعيون “إسرائيل” وأمنها، وقد فشلوا فشلاً ذريعاً، حيث تبيّن لهم أن الحرب جاءت بنتائج عكسية، إذ تحوّلت إلى فرصة للجيش اليمني لامتلاك قدرات قتالية وتكنولوجيا عسكرية متطورة لم تكن موجودة لديه قبل الحرب، فقد تمكّن رغم الحصار من ضرب عاصمتي العدوان والتأثير في عصب اقتصادهما، الأمر الذي جعلهما يحاولان استنفار العالم كله معهم تحت عنوان “حماية إمدادات الطاقة”.
وكذلك في العراق لم تتمكن كل سنوات الحرب السابقة عبر “داعش”، الذي دعمته واشنطن وأدواتها في المنطقة بالمال والسلاح والإعلام والفضاء الإلكتروني، من تغيير بوصلته، حيث ظهر ذلك جلياً في موقفه المشرّف في القمة العربية الأخيرة التي دعت إليها مملكة الإرهاب خدمة لـ”إسرائيل”، حيث رفض أن يعترف بقرارات هذه القمة.
وفي إيران لا يبدو المشهد مختلفاً، حيث أخفقت كل أنواع الإرهاب التي مورست ضدّها، وعلى رأسها الإرهاب الاقتصادي والعسكري والإعلامي، في تغيير وجهتها وتحييدها عن محور المقاومة، حيث استمرّت رغم كل الضغوط في دعم سورية والعراق، وساهمت بشكل فعّال في القضاء على الإرهاب في كلا البلدين.
ولم يفلح الإرهاب الأمريكي، عبر الانسحاب من الاتفاق النووي الذي أصبح وثيقة أممية، ولا التحشيد الأمريكي في الخليج، في ثني هذا البلد عن الصمود في وجه قوى الشر والاستكبار العالمي، فتحوّل محور الحرب من التهديد بالحرب إلى استجداء التفاوض، بعد أن شعر أن كل محاولاته باءت بالفشل، وأدرك أن السحر انقلب على الساحر، وأن الدولة التي أراد ترهيبها تمكّنت من إجباره على التعقّل والتفكير ألف مرة قبل التورّط في الاصطدام معها، فالأمر ليس بالسهولة التي ظنّها، فهل ستغامر واشنطن وأذنابها بإشعال هذه الحرب.
المنطقة كلها على صفيح ساخن، والمسافة بين الحرب والسلام باتت ضيّقة، فمن يتحمّل تبعات مثل هذه المغامرة؟.
طلال الزعبي