في مضمار الفاعلية الأدوية الوطنية.. مواجهة تجارية شبه خاسرة مع المستورد وآراء الأطباء والصيادلة تدعم الخسارة!
مجموعة من التساؤلات يطرحها موضوع الأدوية في أسواقنا حول الفرق بين الدواء الوطني والأجنبي من حيث الفعالية، وأسباب إقبال البعض على الدواء الأجنبي رغم توافر نظيره الوطني؟ وهل الدواء الأجنبي تنتجه فعلاً شركات من الدول التي دونت أسماءها على عبوات الأدوية؟ وهل يدخل القطر بطريقة نظامية؟ وهل أسعار الدواء مدروسة ومناسبة لدخل المواطن، وخاصة في الفترة الراهنة؟ وهل جميع أصناف الأدوية متوفرة، خاصة مع وجود شكاوى لعدد من المرضى حول عدم توفر أصناف هامة من الأدوية قد تعرّض حياتهم للخطر كمثبطات المناعة بروغراف، أو مايفورتك لمرضى زرع الكلية الذين قد يعودون لكابوس غسيل الكلية، أو شراء الدواء من السوق السوداء؟ وهل الدواء موجود بشكل متوازن في جميع المحافظات بعد أن سمعنا سابقاً عن وجود عمليات لتهريبه بين المحافظات كقيام عدد من تجار الأزمة بنقل دواء الرتان من حلب إلى دمشق، مستغلين انقطاعه في أسواقها؟ وما الإجراءات المتخذة من قبل وزارة الصحة لضبط وتنظيم الأدوية؟.
الدواء المهرب
لدى استطلاعنا لآراء عدد كبير من الصيادلة، رفض الكثير منهم الخوض بموضوع الأدوية بشكل مفصل لأنهم ملّوا من الكلام، “بحسب تعبيرهم”، وأدلوا بالعديد من المعلومات سابقاً دون أن يتغير الواقع الدوائي، إلا أنهم أكدوا أن المشكلة الكبيرة التي تواجههم حالياً تتمثّل في منع الدولة استيراد عدد من أنواع الأدوية الأجنبية، وبسبب فقدانها من الأسواق يصبح الدواء المهرب هو البديل المتاح، كون بعض المرضى لا يرغبون بشراء الدواء الوطني، أو بعض الأطباء يصفون الدواء الأجنبي على سبيل الحصر، كدواء “نيورابيون”، وغيره من الحقن المقوية للأعصاب، وتخلق الأدوية المهربة العديد من العقبات للصيادلة، أولها المساءلة لمن يقوم ببيعها مضطراً في صيدليته كونه مطلوبة وضرورية لعلاج المواطنين، وهي أدوية لم يتم فحصها من قبل وزارة الصحة، كما أنها غالية الثمن بسبب ندرتها وصعوبة الحصول عليها، والحل يكمن في استيراد تلك الأدوية رسمياً، وليس الاكتفاء بملاحقة المهرب أو الصيدلي الذي يتعامل بها، فذلك سيوفر أدوية أرخص وذات جودة ومصداقية، وتزيل المساءلة عن عاتق الصيدلي الذي تتوفر مصلحته أكثر من خلال بيع دواء نظامي كون رسوم الطوابع تعود عليه من ريع بيع تلك الأدوية، بل اعتبر بعض الصيادلة اضطرارهم لبيع الدواء المهرب مستنقعاً يتم دفعهم إليه بصورة مقصودة ليبقوا في حالة دائمة من الخوف، أو ليبقوا عرضة للابتزاز، ولا مبرر من منع استيراد أي دواء، خاصة أن وجود الدواء المستورد لا يؤثر على صناعة الدواء الوطني، بحسب رأي الصيادلة، فلكل دواء زبون يشتريه بحسب وضعه المادي، ومن جهة أخرى فإن بعض أصناف الأدوية الوطنية، وبخاصة المقويات والمكملات الغذائية، باتت تباع بأسعار مرتفعة ومتقاربة من سعر الدواء الأجنبي ودون أي مبرر منطقي، ما قد يؤدي إلى لجوء المريض لشراء الدواء الأجنبي وترك الوطني.
لا فرق بين أجنبي ووطني
إن الرقابة موجودة على الدواء سواء كان وطنياً أو أجنبياً، ويخضع النوعان للإجراءات الصارمة ذاتها من قبل مخابر الرقابة والبحوث الدوائية التابعة لوزارة الصحة، سواء لجهة التسجيل، أو فحص المستحضر، أو التأكد من المادة الفعالة والجودة وفقاً للمعايير الدولية والقوانين أو الأنظمة المرعية في”الوزارة”، حسب ما أكدته مديرة الرقابة الدوائية في وزارة الصحة الدكتورة سوسن برو، وأن الدواء الأجنبي المهرب هو دواء مخالف للقوانين ومزيف، كونه مجهول المصدر، ولم يخضع للرقابة أو الفحص في مخابر الرقابة والبحوث الدوائية، كما أن آلية وشروط تخزينه مجهولة، ولا يمكن الوثوق بفعاليته وأمان استخدامه من قبل المرضى، حيث تعمل الوزارة جاهدة على الرقابة العشوائية والمستمرة للتأكد من عدم تداول تلك الأدوية في أسواقنا، وإصدار تعاميم لسحبها وإتلافها عند ضبطها، وإعلام مديريتي الجمارك والتجارة الداخلية بالواقعة لإجراء اللازم حيال المخالفين، كما أكدت الدكتورة برو أن الدواء المستورد موثوق ونظامي، ويتم التأكد من مطابقة الشحنة المستوردة بعد دخولها القطر مع المصدر المسجل في الوزارة بشكل دقيق، كما يتم تزويد العبوات بلصاقة ليزرية صادرة عن الوزارة لمنع تزويرها وتمييزها عن الأدوية المهربة.
الأسعار مدروسة
ونوّهت مديرة الرقابة الدوائية إلى أن الوزارة تعتمد مجموعة من الأسس لتسعير الدواء تراعي السعر الأنسب لدخل المواطن، وتعمل على ضمان توفر الدواء في كافة الأسواق، وتكثيف جولاتها على الصيدليات والمستودعات الدوائية لضبط أية مخالفات تتعلق بالتسعيرة، أو بسوء التخزين، واتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين، وإتلاف المواد المخالفة، وتستقبل الوزارة جميع الشكاوى المتعلقة بوجود أي خلل في فعالية أي مستحضر دوائي، سواء كان سببه سوء التصنيع، أو النقل، أو التخزين، ونوّهت إلى أن هناك تحسناً ملموساً في الواقع الدوائي من خلال طرح العديد من الأصناف الهامة والنوعية، وتغطية معظم الزمر الدوائية بنسبة 90% حتى نهاية عام 2018، كما عملت الوزارة على تأمين كميات كبيرة من الأدوية الهامة والنوعية غير المصنعة محلياً مثل: “اللقاحات– الأدوية البيولوجية- أدوية السرطان – مشتقات الدم”، وتعمل الوزارة جاهدة بشتى الوسائل على تقليص عدد الأصناف الدوائية المفقودة من الأسواق من خلال تأمين استيرادها من عدة دول، كما وجهت الوزارة معامل الأدوية المحلية لإنتاج الأصناف بحسب الحاجة لها وبشكل مدروس، وتم منح المعامل العديد من الموافقات لتصنيع أدوية نوعية محلياً لسد النقص الحاصل في تلك الأدوية.
الثقة التامة
لسنا من مشجعي الدواء والمستحضرات الأجنبية، ونؤكد على وجود أدوية وطنية منافسة للدواء الأجنبي، ولكن لابد هنا من التأكيد على ضرورة رفع جودة وفعالية جميع أصناف الأدوية الوطنية التي قد تكون قليلة وبشكل لافت في بعض الأدوية رغم بساطتها، بما فيها أدوية الزكام أو الأنفلونزا، بل وتأمينها لذوي الدخل المحدود بسعر مناسب، فالدواء الأجنبي باهظ الثمن ولا يمكن للجميع شراؤه، ولا يغطيه الضمان الصحي للموظفين، رغم اضطرار البعض لشرائه لاستمرار حياتهم بشكل يومي، وكوننا الآن في مرحلة إعادة الإعمار، ومنح تراخيص لعدد كبير من معامل الأدوية، علينا بناء الثقة التامة بالدواء الوطني، سواء في أسواقنا، أو في الأسواق التي سنصدر إليها تلك الأدوية، وإزالة حال النفور الموجودة لدى البعض من الدواء الوطني من خلال التشديد على نسبة الأدوية الفعالة في الأدوية التي عمدت بعض المصانع بتخفيضها بنسبة بسيطة حسب زعمها بحجة تحقيق الحد الأدنى من الربح، ولا ننسى أننا في حال الاعتماد على الدواء الوطني سنوفر مبالغ طائلة من القطع النادر من خلال الانتقال من الاستيراد للتصدير، كما سنتخلص من أي تحكم بمنتجاتنا تزامناً مع الحصار الاقتصادي الذي نواجهه في المرحلة الراهنة.
بشار محي الدين المحمد