فلسطين حاضرة في كتابات منذر زريق
“من الشمس خلق الله سورية، ومن دمشق ملأ الأرض بالمدن” هذه المفردات كتبها الراحل محمد منذر زريق في مقدمة مجموعته الشعرية” بوح عاشق وحبق” والتي مزج فيها بين الحب والوطن، فكانت إحدى محاور تجربته الأدبية المتنوعة بين التوثيق كما في كتابه”أورسولا الرسولة أختنا في التراب” والسرد القصصي لليافعين والأطفال والشعر، إضافة إلى شغفه بالتشكيل. وقد حضرت فلسطين بمجموعاته كلها ولم يتطرق إليها من باب المقاومة والحنين والوصف والتراث فقط، إذ جعلها همزة وصل بين الأجيال، معتمداً على الدخول من باب التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي والعالم الافتراضي وصولاً إلى مساحات فلسطين.
ففي قصة “الخالة زرقاء” يدمج بين العالم الافتراضي والواقعي بدخوله الشاشة الزرقاء من خلال حديث افتراضي بين غسان وصديقة جدته التي استشهدت صباح يوم زفافها برصاص العدو الإسرائيلي في قرية” بيت ثول” القريبة من مدينة القدس، فيستحضر ذاكرة تعود إلى خمسة وسبعين عاماً ليصف بيوت القرية وأشجارها ومساجدها والسراديب العتيقة، ومن ثم يتوقف عند حادثة هجوم الجنود الإنكليز على القرية بحثاً عن قائد الثورة عبد القادر الحسيني، ويمتد السرد القصصي إلى رحلة اللجوء حينما أطبقت عصابات الصهاينة الإرهابية على القرية لتقتل النساء والأطفال بدم بارد، وغادر العشرات من النساء والأطفال والشيوخ البيوت على عجل، بينما قاوم الشباب بالبنادق والخناجر، وقد برع زريق بتجسيد عوالم فلسطين من المسجد الأقصى إلى كنيسة القيامة، وعبّر عن تصميم كل فلسطيني على حق العودة واسترجاع أرضه بدلالة المفتاح الذي لازم كل عائلة فأصبح شيئاً من التراث الفلسطيني، لينهي القصة”سيذهب الآلاف من الفلسطينيين إلى حدود فلسطين، ليقولوا للناس كلهم، بأننا لن ننسى مدننا وقرانا وأننا سنعود إلى بيوت أجدادنا”.
دوار الهوا
وأوجد زريق رابطاً بين فلسطين وسورية من خلال المخيم مكان الحدث الأساسي في قصة”دوار الهوا” التي تشد انتباه القارئ للوهلة الأولى، ولا يتوقع أن تكون اسم لعبة على الكمبيوتر يشارك فيها كل العرب لتدمير المواقع الصهيونية، ويلجأ زريق في هذه القصة إلى السرد بالاعتماد على الحوارات المتضمنة الوصف، ومضت أحداثها في الزمن الفعلي للحرب بتناوله قصة الشاب وائل الذي وجد عملاً على النت بمجال التصوير الفوتوغرافي، ولم يكن يدري أنه وقع أسير شبكة جاسوسية تعمل لمصلحة الإرهابيين، قادته إلى حادثة تفجير في المخيم، والمفارقة أن والده الذي توفي بحادث سير كان من الفدائيين” كان أول ما فعلته أنني كبّرتُ صورة رائعة لأبي بثياب الفدائيين”، وبدأت القصة بدخوله إلى مواقع باللغة الإنكليزية وتتالت المحادثات مع أسماء مستعارة وتمحورت حول ما يتعلق بفنون فلسطين وموسيقاها، ووقع بفخ العمل بطلب تصويره مناظر طبيعية مقابل مبلغ مالي شهري يحوّل إليه، إلى أن نفذ مهمة تصوير مدخل بناء في المخيم طيلة عشرة أيام في الشارع قرب محطة الوسام، وفي اليوم الحادي عشر وصله إيعاز بأن المهمة انتهت، والمفاجأة أن التفجير وقع في هذا اليوم”فقد فجروا السيارة غير مهتمين بالأبرياء الذين سيسقطون”، فيلجأ وائل إلى رجال الأمن وتتم مساعدته واستعادة نفسه.
لوحة تشكيلية
ويتميز أسلوب زريق بالمشهدية السينمائية السردية التي تدخل القارئ إلى عوالم الإثارة والتشويق وتشعب الأحداث، ورغم أن قصصه موجهة لليافعين إلا أنها تشد الكبار أيضاً، ومن المعروف أن زريق حقق شهرة بالكتابة للأطفال لتبسيطه الأفكار وجمعه بين المتعة والفائدة ضمن الأساليب الإنشائية للاستفهام والتساؤلات بالتزامن مع جمالية الوصف والتركيز على اللون في الحياة، فغدت قصصه لوحة تشكيلية من حيث السرد وارتباط الأحداث بالرسومات الملونة المترجمة للحدث، كما في قصة”الخنفساء الحمراء” التي تتحدث عن الحشرات النافعة والضارة للأشجار، والخطأ الذي ارتكبه أحمد بإيذاء الخنفساء الحمراء المنقطة التي تقضي على حشرة المنّ التي تؤذي أوراق الأشجار” وبعد أكثر من شهرين كانت الأشجار الثلاث قد استردت رونقها ونضارتها، وأخذت الخنافس الحمراء تزداد، وكنت أتابع بسعادة حركاتها الجميلة.
وفي قصة” النهر المغرور” اعتمد على الرمزية وأنسنة الطبيعة بصوت النهر الشخصية الرئيسة في القصة وصراعه مع الأشجار، بغية توضيح مفهوم المشاركة والتعاون في الحياة وتوزيع الأدوار، ليقوم كل فرد بواجبه ويحصل على حقوقه، إذ تصاعدت الأحداث حينما قرر النهر الكبير أن يمنع الأشجار والكائنات الحية من نهل المياه منه”أنا لا أحتاج إلى أحد وسأبقى وحدي”، فأقنعت الصفصافة الأشجار بالبحث عن الماء في أعماق الأرض، وساعدت العصافير التي غردت على أغصان الأشجار بحمل قطرات الماء بمناقيرها، وشقت الأشجار طريقها في الأرض فتناثرت الحجارة في النهر، وأصبح يشق دربه بصعوبة في الوقت الذي تمكنت فيه الأشجار من تحويل المياه إلى نهر جديد”ساعديني لا أريد أن أموت، اعذرني أيها المغرور فواجبي اليوم أن أساعد النهر الجديد”
وبدا اعتماده على الرمزية بدلالات واضحة في قصة”بابا مونة” وإشراك الأطفال بما فعله الإرهابيون طيلة سنوات الحرب في سورية.
ملده شويكاني