ثلاثة مليارات ليرة لإسعاف قطاع الدواجن.. وضبط إيقاع العرض والطلب بتبريد الفروج وطحن البيض.. ولكن ماذا عن عادات الاستهلاك؟!
ظل إنتاج الدواجن المحلية طوال عقود أحد المنتجات المتوازنة والمؤثرة اقتصادياً وتنموياً، لكنها تأثرت جراء الأزمة على نحو حاد، حيث تفيد أوساط المربين بأنها خسرت جزءاً كبيراً من رساميلها، ولعل أكثر (السنوات العجاف) كانت 2014-2017.. اليوم ثمة متغيران مهمان.. بدء التعافي التدريجي لقطاع الدواجن (الفروج والبيض)، واهتمام حكومي يعمل على إعادة قاطرة الدواجن إلى سكتها، عبر دعم هذه الصناعة بثلاثة مليارات ليرة سورية، والعمل على تجاوز ما علق بها من شوائب الأزمة والحصار الاقتصادي الجائر على البلاد..
مؤشرات
أكثر من أربعة مليارات بيضة، هو إجمالي الإنتاج السنوي لقطاع الدواجن، تنتجه نحو 12 ألف مدجنة مملوكة بالكامل للقطاع الخاص، على حسب ما ذكر الخبير الزراعي ومستشار اتحاد غرف الزراعة المهندس عبد الرحمن قرنفلة؛ ما يعني أن نصيب الفرد من هذا الإنتاج هو 158 بيضة، علماً بأن المتوسط في الدول المتقدمة هو 300 بيضة، وتطور إنتاج البلاد من البيض من 165 مليوناً عام 1965 إلى 4.5 مليارات بيضة في 2009، وبهذا احتلت سورية المرتبة الأولى عربياً بتصدير البيض، والثالثة في إنتاجه، كونها مؤهلة بيئياً وفنياً لتكون مركزاً إنتاجياً مهماً في المنطقة.
وبين قرنفلة أن إنتاج البلاد من لحوم الدواجن وصل قبل الأزمة إلى 185 ألف طن؛ ما يعني أن نصيب الفرد هو بحدود 11 – 12كغ سنوياً، مع تسجيل نسب نمو كبيرة في الإنتاج والاستهلاك لهذه السوق، مدفوعة بتغير عادات هذا الاستهلاك، ولاسيما لدى فئة الشباب لتصبح أكثر طلباً على منتجات الدواجن، لافتاً إلى أن تأثير الأزمة على القطاع كان شديداً، ما أدى إلى تراجع الإنتاج حتى 25 بالمئة من مستويات ما قبل الأزمة.
والمشكلات..
تعترض أداء هذا القطاع، وانسياب منتجاته إلى الأسواق، وفقاً للجنة الدواجن في الاتحاد، مشكلات كثيرة أبرزها.. ارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج ولاسيما الأعلاف، التي تشكل 75 بالمئة من هذه التكاليف، علماً بأنها مستوردة بنسبة 100 بالمئة، فيما يصعب في بعض الأحيان الحصول عليها، ولما كان هذا القطاع غير منظم بنسبة تتجاوز الـ20 بالمئة، فإن الأسواق تتعرض لتقلبات سعرية تفقدها توازنها، وتمني المنتجين بخسائر كبيرة، في موازاة توقف قرابة 3516 مدجنة عن الإنتاج، جراء نقص التمويل والأعمال الإرهابية، وضعف ربحية المشروع، ونقص وارتفاع أسعار المحروقات وغيرها..
ويشير قرنفلة إلى أن نحو 90 بالمئة من المداجن هي ذوات طاقات إنتاجية دون الـ10 آلاف طائر، وهي متواضعة وتمثل البنية الهشة للمربين، كونها لا تحقق الاشتراطات الإنتاجية والبيئية اللازمة؛ ما يرفع تكاليف الإنتاج، ويؤدي لنفوق القطيع، وزيادة استهلاك الأعلاف والأدوية البيطرية، وهذه مجتمعة تضعف الموقف المنافسي للمنتج الوطني في الأسواق الخارجية (العراق ودول الخليج على وجه التحديد).
وهنا تبرز أهمية تطوير عمل المسالخ، بحيث تتولى عمليات ذبح الفروج وتوضيبه وتغليفه، وتالياً العمل -ضمن حملات منظمة- على تسويق منتجات الدواجن في الأسواق المحلية والخارجية، وهذا يقتضي تأمين برادات كبيرة لسحب فائض المعروض من الأسواق، ومن ثم إعادة طرحه من جديد حين انخفاض المعروض، في اتجاه موازٍ، لا بد من تأمين معامل وتقانات حديثة تجفف البيض وتعطيه إمكانية تخزين تصل إلى عشر سنوات، وتعيد طرحه إلى الموائد أو للتصدير عند الحاجة.
وتشير معطيات اللجنة، إلى استقرار نسبي بدأت تشهده أسواق البيض خلال الأيام الأخيرة، سواء لجهة تكافؤ العرض مع الطلب أم الاستقرار السعري، حيث عاودت الأسعار تصحيح مسارها، بعد أن هبطت بنحو 40 بالمئة، خلال الثلث الأخير من شهر رمضان المبارك الفائت وأيام العيد، لتستقر حالياً عند مستوى 650 – 700 ليرة للصحن الواحد (أرض المزرعة).
ووفقاً لهذه المعطيات، فإن ثمة عديد العوامل التي أسهمت بتردي الأسعار، منها قلة استهلاك البيض نتيجة موجة الحرارة الأخيرة، وتنوع وانخفاض أسعار الخضروات، وعشوائية تربية الدواجن للبيض واللحم، وتراجع الطلب بعد رمضان، وتغير بعض العادات الاستهلاكية لدى السوريين، علما بأن الدجاجة تنتج طوال عشرين شهراً حوالى 270 بيضة، قبل أن تهرم وتتحول إلى دجاج لحم.
مميز عالمياً..
الإنتاج المحلي من الفروج مميز إقليمياً وعالمياً، كونه نباتياً 100 بالمئة، حيث نال رضا المستهلكين في الأسواق المحلية والخارجية، وفقاً لما يقوله عضو المجلس الاستشاري في وزارة الزراعة ورئيس لجنة دواجن درعا الدكتور وهيب المقداد، الذي لا يميل إلى الرأي القائل إن وجود الفروج على موائد السوريين يمثل مشكلة لجهة ارتفاع أسعاره، فقد حافظ سعر الكغ طوال شهر رمضان على مستوى سعري (أرض المزرعة) تراوح بين 750 – 850 ليرة، علماً بأن تكلفته النهائية هي بحدود 675 -750 ليرة.
ويشير المقداد إلى أن المربين خسروا خلال الأعوام 2014 – 2017 نحو 70 بالمئة من رأس المال المستثمر، بيد أن القطاع آخذ بالتعافي، وبنسبة 60 بالمئة تقريباً حتى الآن، مقدراً حاجة أسواق دمشق من الفروج يومياً بـ 300 طن، وبأن أسواق ريف دمشق وحمص وحماة هي الأكثر إنتاجاً، داعياً إلى فتح طريق للتصدير إلى العراق، فالسوق هناك تفضل المنتجات السورية على أية منتجات أخرى، وإن كانت مؤخراً أغرقت بالمنتجات الصينية والتركية.
رحلة البحث عن البروتين..
تشكل الدواجن، إلى جانب الأبقار والأغنام والماعز، المصدر الرئيس للحصول على البروتين، وتشير الدراسات والمؤشرات المستقاة من واقع الأسواق أن السوريين باتوا، خلال العقود الأخيرة، أكثر ميلاً للاعتماد على لحوم الدواجن، مقابل تراجع معدلات الاستهلاك للحوم الأخرى.
وتتصدر الصين والولايات المتحدة والبرازيل وفرنسا وألمانيا قائمة الدول الأكثر إنتاجاً للحوم، وأوضحت قائمة نشرتها صحيفة “ذا تلغراف” البريطانية، أن الولايات المتحدة تأتي على رأس الدول المستهلكة للحوم، بواقع 120كغ للفرد الواحد سنوياً، ثم تأتي الكويت وأستراليا وجزر البهاما ولوكسمبورغ ونيوزيلندا والنمسا، حيث تلعب التقاليد والحالة الثقافية والاقتصادية دوراً مهماً في استهلاك اللحوم.
وتبقى لحوم الدواجن، التي تشتمل على الدجاج والبط والإوز والحبش والسمان والنعام والحمام، هي الأكثر استهلاكاً حول العالم، وزاد الاستهلاك العالمي في الوقت الحالي من هذه اللحوم، بسبب زيادة الرفاهية ومطاعم الوجبات الجاهزة التي باتت أكثر انتشاراً ورواجاً، فقد أصبح الناس أكثر قدرة على إضافتها إلى موائدهم، كما أن تربية الدواجن تتطلب علفاً أقل بالمقارنة مع أنواع اللحوم الحمراء، فيما تحتاج تربية الأغنام والأبقار إلى مساحات واسعة من الأرض، وإلى كميات كبيرة من العلف.
ولا تقل عن هذه العوامل أيضاً، قلة القيود الدينية التي تحرم أكل الخنزير والأبقار وإناث بعض الحيوانات في بعض البلدان، وهو ما لا ينطبق على الدواجن. ولجهة الاستهلاك تحتل هنغاريا المرتبة الأولى بين الدول الأكثر استهلاكاً للدواجن، وإيرلندا المرتبة الثانية، والمملكة المتحدة الثالثة، علماً بأن الدول العربية من بين الدول عالية الاستهلاك أيضاً.
أحمد العمار