قطاعنا الاستثماري على موعد هام في “تموز” “هيئة الاستثمار” تعلي بوابتها بـ”مركز خدمات لكل الاحتياجات”.. في ظل صمت حول مصير قانون الاستثمار العتيد!؟
من المستغرب فعلاً، أن تعلن هيئة الاستثمار السورية عن قرب افتتاح أو إطلاق مركز خدمات المستثمر الذي هو بالأصل “النافذة الواحدة” وإن اختلفت المسميات. استغرابنا المشوب بتفاؤل حذر، لا يعود إلى أن الهيئة تمكنت أو تكاد، من أن تصل لمركز يقدم، أو نافذة تقدم كل ما يحتاجه المستثمر، فكلمة “كل” تعنى الشيء الكثير والكبير، الذي وبصراحة نشك بأنه سيكون، مع أننا نتمنى شديد التمني أن تكون الهيئة فعلاً هي المرجعية الأوحد للاستثمار في سورية.
ولعل السؤال المعترض على مدى تمكن الهيئة مما أعلنته، هو: كيف للهيئة أن تدعي ما ادعته وليس هناك قانون استثمار بعد، يسهر على تطبيق ما تقوله ويدعم ما ستقوم به..؟!
نعم لقد أعلنت الهيئة عن أنه سيتم بدء العمل بشكل كامل في مركز خدمات المستثمر الشهر القادم لتقديم كل ما يحتاجه المستثمرون و”بجودة عالية”، ونحن ليس في وارد التشكيك، لكن كما يقال: “من لا يرى من المنخل فهو أعمى”.
ففي بيان للهيئة، أنها ناقشت مع ممثلي القطاعات الحكومية في مركز خدمات المستثمر استكمال الآلية التنفيذية لعمل المركز ووضع دليل إجرائي شامل بالاتفاق مع ممثل كل قطاع على حدة، وممثلين مختصين من الوزارات المعنية، موضحة أنها تعمل على تحديد تاريخ المباشرة الفعلية لممثل الجهة العامة والتفويضات الممنوحة له، ومدة تقديم الخدمات في المركز وآلية تبسيطها، على أن تنسحب هذه الآلية على القطاعات كافة، قطاع تلو الآخر تمهيداً للوصول إلى مباشرة كاملة للممثلين وتفويضات واضحة لكل ممثل ودليل إجرائي شامل للمستثمر.
تناقض..
بتمعن بسيط لما سبق، نجد أن هناك تناقضاً فيما أعلنته الهيئة، ولعل الموضوع لا يحتاج لنبين مطارح التناقض في الفقرة السابقة، والتي جاء على لسانها هي نفسها..!؟
كما أن ما سيوفره المركز بعد انطلاقته الفعلية، كالرعاية المتكاملة للمشروع الاستثماري في كل مراحله من التأسيس، ومنح الترخيص الإداري، واستيراد المواد لمصلحة المشروع، وصولاً إلى الإنتاج وتصدير المنتجات، وانتهاء بتصفية المشروع بعد تحقيق النتائج المرجوة منه، والتأكيد أن المركز سيسهم بإنهاء تعدد الجهات التي كان يتوجب على المستثمر مراجعتها سابقاً، وفوق ذلك إزالة المعوقات وتحقيق الرقابة الحكومية على تنفيذ هذه المشاريع في الوقت ذاته؛ كلها مضامين لا يمكن للهيئة تطبيقها إن لم يكن هناك قانون ضابط شامل كامل ملزم لكل من له قرار بالاستثمار في سورية وما أكثرهم، سواء كانوا جهات حكومية أو غير حكومية، أو أشخاصاً لهم من المناصب الرسمية والمنافع والاتصالات والعلاقات ما لا يمكن التكهن بكيفية تعاطيهم مع ما أعلنته الهيئة وستعمل على تطبيقه..!؟
هنا من المفيد نشر ما كانت “البعث” علمته من الهيئة فيما هي تعمل عليه وتعاني منه في مسعاها نحو تحقيقه، وذلك منذ قرابة السنة والنصف، وتحدياً الخطوط العريضة لمحور مهامها ومسؤولياتها الاستثمارية، ولم ننشره في حينه استمهالاً لعل وعسى نشره منجزاً.. وهكذا توالت الأشهر لتطالعنا الهيئة بما سلف من بيان جل ما فيه مسبوق بسين المستقبل والسوف وعلى التوالي.. إلخ، رغم تحديدها شهر تموز للبدء بتطبيقه..!
مراحل ماراثونية
أربع مراحل يمر بها المشروع الاستثماري، وهي تحتاج لأكثر من 40 يوماً؛ الأولى: استيفاء الثبوتيات الشخصية للمستثمر وثبوتيات الشركة في حال كان يقدم باسم الشركة، ودراسة الجدوى، ودراسة والتحقق من صحة الطلب، وثانيها تبدأ حين وصول المستثمر للهيئة، والتي يتم فيها دراسة الطلب وتقييم دراسة الجدوى الاقتصادية في مدى صحتها، ومدى الكفاءة المالية للمستثمر، وما هي المتطلبات التي يريدها المستثمر؛ هذا الإجراء يحتاج زمنياً إلى ما بين يوم وثلاثة أيام.
وبالنسبة لثالثها وهي مرحلة الحصول على الموافقات، فتشمل الحصول على موافقة الوزارة المختصة، والحصول على الموافقة الأولية الإدارية للترخيص الفني وخلافه، وهذا يحتاج ما بين 29 إلى 30 يوماً، بعدها رابعاً وأخيراً، نصل إلى ما يسمى إصدار إجازة الاستثمار، وبمجرد وصل إلى هذه المرحلة، التي تحتاج لما بين 20-40 يوماًَ، وهي المدة التي تحتاجها الخطوات السابقة، فيمكن للمستثمر المباشرة بمشروعه مباشرة، تكون الهيئة إن استطاعت تطبيقها بحذافيرها وبالمدد المحددة، فقد ضمنت أموراً ثلاثة؛ أولها: أن تكون الهيئة هي المرجع الوحيد للمستثمر، وضمان ألاَّ يستفيد المستثمر من الإعفاءات إلاَّ إذا كان ينفذ فعلاً، وكل أموره جاهزة، أي لا يعد للمستثمر أية علاقة مع الجهات الأخرى، وهذا بحد ذاته اختصار لوقت ومال المستثمر.
على المحك..
الآلية أعلاه كانت محط عمل الهيئة رغم ما تعرضت له من انتكاسات، وها هي اليوم تعلن أنها تمكنت من تحويل النافذة لمركز، وهو ما كانت أعلنت وجوده شرطاً كي تصل إلى تحقيق وتطبيق الآلية؛ ما يعني أن الهيئة استطاعت على حد زعمها تأمين التقنيات الجديدة التي يحتاجها المركز، (آنذاك كان هناك 14 ممثلاً عن الجهات الحكومية، 5 منهم فقط يتمتعون بالصلاحيات المطلوبة لإنجاز الموافقات من الجهات المعنية، وممثل واحد عن وزارة الزراعة وبصلاحيات بسيطة، أما ما يتبقى من الممثلين الـ14 فهم عبارة عن موظفين وظيفتهم الترويج، ويشكلون صلة الوصل ما بين الهيئة والجهات الحكومية التي يمثلونها في الهيئة)، والسؤال عطفاً على ما جاء بين القوسين هو: هل ما تصمنه بيانها أعلاه يفهم منه أن هناك أي تغيير عما كان..!؟
نَفَس وأنفاس..!
وحتى النفس الذي كانت تشتغل به الهيئة، وهو أن تصل الأخيرة للتعاون مع الجهات العامة، بمعنى أن على كل جهة عامة إرسال دليل إجرائي، وممثل بكامل الصلاحيات المفوض بها، باستثناء – أحياناً – مشاريع معينة تحتاج إلى لجان ميدانية (وهذه اللجان أيضاً يتم التنسيق فيها مع ممثل الجهة العامة الذي يوجد في الهيئة)؛ هل لقي الشيء نفسه عند تلك الجهات..!؟
وهل تقنية النافذة الواحدة أو مركز خدمات المستثمر، ستكون فعلاً مكتباً أمامياً فقط، أي عبارة عن “شباك”، ومكاتب الجهات العامة هي عبارة عن مكاتب خلفية..؟! بمعنى أن المستثمر سيتعامل مع المكتب الأمامي فقط في النافذة أو المركز؛ وهل سيترك أصحاب المصالح والبيروقراطية والفساد في الجهات، أن تسير الأمور كما هو مأمول..؟!
ليست سهلة أبداً
وللعلم كانت الهيئة قد كشفت لنا قبل أقل من عام بعدة أشهر، عن بدئها الاشتغال على إعداد ورقة عمل لحصر كافة الإجراءات، والمدد الزمنية للحصول على الترخيص الاستثماري، التي من المفترض أن تكون الهيئة وبالتنسيق والتعاون مع الجهات العامة، قد توصلت إلى تحديدها، معترفة أن هذا التحديد لم يكن منجزاً بعد، وبصعوبة الانتهاء منه (لأسباب لا تخفى على أحد)، أي الوصول إلى “دليل إجرائي شامل كامل مع المدد الزمنية لكل إجراء وبشكل واضح ومؤكد من كل جهة”، هذا من ناحية.
أما من ناحية أخرى فكان العمل يجري أيضاً، على موضوع أشد تعقيداً، مع الجهات العامة وهو تحديد التقاطعات بين جهة وأخرى (هذه التقاطعات تأخذ وقتاً طويلاً)، بهدف تعاون تلك الجهات بعضها مع بعض، بحيث يتم ضغط الزمن، ولم تستطع الهيئة آنذاك من تحقيق تمثل الجهات العامة بمركز واحد أو نافذة واحدة وبممثلين وبصلاحيات كاملة..!
الماء والغطاس..؟
فهل وصلت الهيئة وخلال أشهر قليلة إلى ما عجزت عنه إدارات متعددة سابقة قبل الأزمة وخلالها..؟! هذا هو الامتحان الذي سيحاسبها عليه قطاع الاستثمار في تموز، حيث موعد “غطاس” الهيئة مع “مائها “، حيث امتحان تطبيق أن يستثمر المستثمر بسهولة وبمحطة واحدة هي مركز خدماته، وامتحان اختصار الوقت والمال، وامتحان تحسين بيئة الأعمال، والوصول إلى مناخ استثماري جاذب للمستثمرين، وامتحان هو الثقة، وتحقيق مشاريع تنفذ على أرض الواقع، وليس أرقاماً جوفاء لتشميل مشاريع، أي الوصول لمستثمر جدِّي وهيئة أكثر جدِّية.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com