“داعش” تتوغل في الهند
لمى عجاج
“داعش”، المنظمة الإرهابية الأكثر تطرفاً وانتشاراً، تنتقل إلى منطقة الهند وباكستان، غير أن هذا التوسع لا يتعدى كونه محاولة للتغطية على الضجة الإعلامية المثارة حول تقهقرهم واندحارهم من العراق وسورية، ويشكّل وجود “داعش” على طول هذه المنطقة الحدودية المتوترة تهديداً للهند وباكستان، ولكنه ليس خطيراً للحد الذي يمكن أن يلحق الأذى بأمن الدولتين، أرسلت
” داعش” رسالة عبر أبواقها والناطقين بلسانها بأنها ستقوم بتنفيذ عملياتها في الهند وباكستان، والتي اتفقت على تسميتها بـ “الولايات”، لأنهم يعتبرون أنفسهم خلافة غير متبلورة، أو دولة في طور التشكّل تسعى لإقامة دولة جديدة لها في قلب الإقليم، فهي الآن، وعلى حد وصفها، تأخذ فترة استراحة لتستجمع قواها بعد الهزيمة التي منيت بها في العراق وسورية، لأجل ذلك اتخذت “داعش” من هذه (الولايات) مكاناً لتتحصن فيه داخل الأقبية والشقق المستأجرة لتوفر لنفسها الأمان، وتفرض سيطرتها على الإقليم، ليس بالحد الكافي لتشكيل امبراطورية، ولكن على الأقل بالقدر الذي يسمح لها بالتخطيط والتجهيز لهجمات إرهابية جديدة، والعمل على تجنيد أعضاء جدد، وبالنسبة لـ “داعش”، وخاصة بعد الهزيمة المذلة التي تعرّضت لها في سورية والعراق، أصبحت بحاجة ماسة إلى توحيد صفوفها، فأي حرب حتى لو كانت إعلامية تتطلب التنظيم، وبالنسبة لـ “داعش” فإن خوض الحرب كمجموعة إرهابية منظمة بموارد قليلة أفضل بكثير من خوضها كدولة “الخلافة”.
إن حقيقة “داعش” وعلاقاتها المريبة والمشبوهة جعلت منها تنظيماً سيىء السمعة، لكن هذه السمعة السيئة كانت مفيدة لـ “داعش” على مستوى التجنيد، ولكنها كانت سيئة بالنسبة لأية محاولة يبذلونها ليصبحوا دولة شرعية، فهم بأنفسهم من وضعوا مشروعهم في صندوق معبأ بعناية لا يمكن التوسع به، لذلك فهم بحاجة إلى منظمات شقيقة بحلّة جديدة تتناسب مع مشروعهم، وتستطيع أن تقوم بالمهام المطلوبة في الخفاء دون لفت الانتباه، أو تتمكن من إقامة “خلافة” لها في كييف، انطلاقاً من مبدأ أن إلحاق الأذى بالروس مطلب أمريكي، ورغبة تسعى واشنطن لتحقيقها سواء عبر النازيين أو الإرهابيين.
إن الخطر الوحيد الذي يحيق بأية دولة فيما يخص الإرهابيين هو إمكانية حصولهم على أسلحة نووية، ما يعني أن الهند وباكستان ليس لديها الكثير لتخشاه من توسع ” داعش” وانتقالها إلى المناطق المجاورة لها، ففي كل دولة يوجد متطرفون منحرفون من السهل التلاعب بعقولهم، ولكنهم لا يشكّلون أي تهديد فعلي على أرض الواقع، فكل ما يستطيعون فعله هو تضخيم صورتهم أمام الإعلام، وإثبات وجودهم عبر وسائل التواصل الالكتروني، أما بالمفهوم الاستراتيجي العالمي للإرهاب فهم لا يشكّلون أي خطر حقيقي على المجتمع، فهم غير قادرين على فعل أي شيء غير ترويع الناس، وإهدار أرواحهم البريئة، فالإرهاب في القرن الحادي والعشرين بات بلا مسوغ ولا هدف سوى القتل والترويع، ومجموعة من الأفراد التي ترتدي الأقنعة المخيفة، وتمتلك الأفكار التكفيرية المتطرفة، والتعطش للدماء، وإزهاق الأرواح، وإرهاب الناس للحصول على الدعم الشعبي الذي تريده عبر تفجير المراكز التجارية والتجمعات.
لقد احتلت الهند من قبل المغول لعدة قرون، ثم احتلها البريطانيون، ما ألقى بظلاله على المجتمع الهندي، وتركيبته الاجتماعية، وأدى إلى قيام حضارات أجنبية مختلفة وديانات مختلفة، فالهند بلد متعدد الديانات، ما يعني أنه ليس الحاضنة المناسبة لـ “داعش”، فهم متأثرون بالثقافة الأوروبية الغربية، على الرغم من أن الهندوس قاوموا الاحتلال البريطاني لوقت طويل، وقاوموا للحفاظ على حضارتهم والإبقاء عليها، ما يدلل على حقيقة أن الهند هي بيئة غير خصبة لـ “داعش”.
وفي المحصلة يجب علينا ألا نغفل حقيقة مهمة للغاية مرتبطة بحديثنا عن “داعش” وأيديولوجيتها الفكرية، ألا وهي دعم النظام السعودي لـ “داعش” الذي لم يعد خافياً تماماً، كما لم يعد خافياً وقوف واشنطن إلى جانب السعودية، ودعمها للنظام السعودي والمصالح الاستراتيجية التي تجمع بينهما، ودون هذا الدعم فإن “داعش” ستخسر أكبر راع لها، بل الأفضل على الإطلاق، ما يعني أنه في حال أرادت الهند وباكستان إلقاء اللوم على أحد في وصول “داعش” إلى أراضيهما، فعليهما أولاً أن يوجها اصبع الاتهام إلى السعودية، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه لا يمكن الوثوق بالولايات المتحدة الأمريكية، أو وضع الآمال عليها، فهل يمكن الاعتماد على بلد لا يستطيع حتى تدبر أموره؟!.
الولايات المتحدة عاجزة حتى عن تدبر أمورها مع اليمن والتعامل معه عسكرياً، فالهند تدرك بأن الخيار الأفضل والأسهل هو توجيه أنظارها وآمالها باتجاه الغاز والنفط والطاقة النووية الروسية التي ستنهال عليها، ما سيطرح التساؤلات: هل انسحاب “داعش” مهم؟ ربما نعم لأنه يدلل على وجود تحول كبير في الاتجاه الذي يسير فيه الشرق الأوسط، هل ستتحول “داعش” إلى باكستان/الهند؟ نعم لأنها ستكون قادرة على استجماع شتاتها وتوحيد صفوفها لإكمال مشروعها، هل ستشكّل “داعش” تهديداً للاستقرار الوطني في وادي السند؟ في المحصلة لا، لأنه لا يمكن للجماعات الإرهابية أن تشل أية دولة إلا في حالة واحدة وهي أن تضع يدها على الأسلحة النووية، فالمؤكد ستتحمّل الهند وباكستان توغل “داعش” وانسحابها إلى أراضيهما، لكنهما في المقابل ستتحملان عبء العديد من الهجمات الإرهابية، والمئات من الضحايا الأبرياء.