نســـــخ مـــــزورة!
لا يغادر طيف الشخصية الحالمة التي جسّدها الفنان نهاد قلعي في مسرحية غربة “أبو ريشة”، أية ندوة أدبية أو شعرية، حيث ينتظر الكثير من الأدباء والشعراء دورهم للصعود إلى المنابر، وحجز بطاقات دخولهم إلى ميادين الثقافة التي أصبحت مطية لكل (متسلق)، وهو الوصف الأكثر شيوعاً في الحالة الثقافية، سواء بأسلوب التفكير، أو التعاطي مع مقوماتها كالشعر والقصة، وغيرها من الحالات التي سقطت في هاوية الرداءة اللفظية، وحتى المضمون المتهاوي في السطحية، خاصة مع تعدد الأبواب التي فتحت أمامها هذه الأنواع وبسهولة، في غياب الرادع القانوني، وضبابية المعايير، وتمادي المحسوبيات فإذا دخلنا مثلاً من الباب الثقافي والأدبي إلى الساحة الفكرية سنمسك ببعض مكونات الطبقة المثقفة، وتحديداً النسخ المزورة من الأدباء والشعراء (وما أكثرهم) الذين أمعنوا في انتهاك الهوية الفكرية الأدبية، وتلاعبوا بالقيمة الإنسانية والثقافية، وقللوا من أهميتها، وتسللوا إلى الصفوف الأولى من أبواب الحداثة والعصرية، فتصدروا الصفحات والشاشات، وباتت المنابر تصدح بمنتجاتهم، والمكتبات تزخر بكتبهم وإبداعاتهم التي لا تستفز سامعها أو قارئها فقط بضحالة مستواها، وهبوط قيمتها الثقافية والفكرية، بل وتدخله في غيبوبة فكرية، وحالة من العصف الذهني والهذيان الدائم بعبارة: (حسبي الله ونعم الوكيل).
وما يؤلم أكثر أن التعرف على شخصية من يحمل حقيبة إبداعاته الأدبية، ويتنقل بها من دار نشر إلى أخرى، ومن مركز ثقافي إلى آخر يكشف حقيقة تلك الشخصيات المشغولة دائماً في إنتاج الطلاسم التي كانت سبباً في عزلة المراكز الثقافية، وهجرة الناس لمقاعدها، والأخطر من ذلك كله اللغة الوضيعة التي تستخدمها مكونات هذه الطبقة المثقفة، وعدم معرفتها بأبسط القواعد اللغوية وحتى الإملائية، ولكن للأسف هذه الحقائق لا تملك القدرة على انتزاع ريشة الأديب أو الشاعر منها، وضعها في خانة الإنجاز والتعداد الرقمي.
ولا شك أن ما حدث ويحدث على الساحة الثقافية، مع احترامنا لقاماتها الفكرية والأدبية، يحدث على الساحة الإعلامية، والاقتصادية، والاجتماعية، وغيرها من الميادين المكتنزة بالشخصيات ذوات الريش التي تمنح تذاكر الدخول إلى مناح جديدة بصورة غير شرعية، دون الأخذ بالمعايير التي يتم تجاوزها بطريقة بهلوانية، وطبعاً تشابه الأوجاع والأمراض في كل القطاعات يمنحنا فرصة التعميم المشفوع بوجود الشخصيات المبدعة التي وإن تم إقصاؤها وحرمانها ونتف ريشها، إلا أن حضورها حقيقي بعملها، وإخلاصها، وإنتاجها، ورفضها حجز تذاكر الطائرات المهاجرة!.
بشير فرزان