ندوة ومعرض في ذكرى استشهاد غسان كنفاني
رغم مرور سنوات عديدة على رحيل الأديب غسان كنفاني إلا أن فكره وتراثه يزداد توهجاً لأنه آمن بصدق بقضية وطنه العادلة وبذل جل حياته للنضال فكراً وممارسة فكان الملهم للكثيرين، واليوم تحضر الذكرى الـ 47 لاستشهاده وهو ما تمثل ضمن الفعالية الثقافية التي أقيمت في ثقافي أبو رمانة بهذه المناسبة، والتي شارك فيها الناقد أحمد هلال والكاتب سعيد البرغوثي والفنان التشكيلي محمد الركوعي وأدار الحوار الكاتب عبد الحميد الشطلي.
ذائقة حساسة
عاد الناقد هلال بالذاكرة إلى فترة عمله كمحرر ثقافي في مجلة “الهدف” مجلة غسان كنفاني والتي أتاحت له التعرف على كنفاني الفكرة وليس الشخص، ومن المتداول والراسخ في الوعي ما قدمه غسان للذاكرة الثقافية من أعمال متنوعة مختلفة الشواغل على مستويات الرسم والفن القصصي والرواية والمسرح.
واعتبر هلال أن كنفاني لم يقدم نفسه كناقد متخصص ولديه نظرية بعينها أو رأي بعينه وإنما كان تراثه النقدي موزعاً بقدر محسوب على شواغله، هو الناقد الساخر لتقاليد ثقافية وربما سياسية ففي مقولته “لا نغير القضية بل نغير المدافعين” حين انطلق من هذه المقولة كان يعني نقداً ما نستشرفه بمستويين الأول: كيف قاربت نقود النقاد العرب أثر كنفاني ومنجزه ومدونته التي شغلتهم دائماً وأبداً ليس بأسئلة كنفاني الفنان والكاتب والمبدع وإنما الإنسان، وحاول هلال طرح العديد من الأسئلة وتقديم الإجابات عيها، منها: كيف تعرض النقد العربي لغسان كنفاني وكيف حاول خطابه أن يقبض على أمثولاته، فغسان الذي حاول أن يقدم ذاته مبدعاً في أطياف متعددة استعادته ناقداً ومنقوداً، استعادة ناجزة لفعاليات النقد وشواغله ومراحله وصيرورته، ولكن هل وقف النقد خطاباً وممارسة على مسافة واحدة من غسان بالانتباه إلى ما يمكن أن نسميه بالزمن الثقافي، أو الشرط التاريخي الذي لامناص من تتبعه في التماس عوالم غسان الإبداعية ومكونات إبداعه الكثيف والمتعدد في سياق عمر قصير أو حياة صاخبة بالأسئلة الكبرى.
كجدلية الموت والحياة واشتقاق ما يوازي قلق غسان النبيل والفادح الهواجس أي جدلية العودة بأفقها المقاوم وتنوع أشكال المقاومة يقول كنفاني بوضوح: بوسع الناقد الأدبي أن يلاحظ إن قصصي لا تتناول الفرد الفلسطيني ومشاكله فحسب بل تتناول حالة إنسانية لإنسان يقاسي المشاكل، ولكن ربما كانت تلك المشاكل أكثر تبلوراً في حياة الفلسطيني.
هنا تساءل هلال هل شغل النقد في ممارسته محاولة الاقتراب من عوالم كنفاني على مستوي الرؤية الفنية أم الموضوع أو بمستوى القيمة الفنية بذاتها، ولإيضاح تفاوت التحليل النقدي لروايات كنفاني قدم هلال العديد من الآراء النقدية لنقاد تناولوا رواية “عائد إلى حيفا” وأضاف: هل لمقاربة غسان نقدياً استدعاء لغير خطاب ولغير منهج ربما كان المنهج الواقعي وربما كان منهج علم الاجتماع الأدبي أو المنهج الرمزي والأسطوري، الأمر يحيلنا ليس لتأويل خطاب النقد الذي سعى لمقاربة ما يمكن أن نسميه بمدونة كنفاني الباهرة واجتراحاتها الأسلوبية والبلاغية فحسب، وإنما في استنطاق ثقافة كنفاني بوصفها إحدى أهم المرجعيات المؤسسة لإبداعه كانت هاجساً معرفياً وأخلاقياً، حايث غسان الفكرة منها ما ذهب إلى الجمال في شواغله وصولاً إلى اشتقاق الأدب المقارن بأسبقية الاكتشاف في أنساق المعرفة ومنه إلى علم الجمال الثوري في الأدب العربي كان النقد آنذاك يحاول الاستشراف ليؤسس لتلقي غسان النص والفكرة على تفاوت مرجعيات تلك النقود وضروب ممارستها وقوفاً على شواغل غسان، وتتبع ثيمة الأدب الصادق في متونه الإبداعية، هذه المتون التي أعادت تشكيل وعي قارئيه، وأسست لهذا الوعي الذي راهن غسان على تراكمه الضروري لينفجر بحقائق ساطعة مثالها مضمون أدبه الثوري المعمد بالدم ودرسه الأخلاقي الباهر ثقافة ومعرفة، ليعود للنقد تساؤله الناجز ما هو دور الأدب إزاء صورة غسان ناقداً بعيداً عن تلك الاشتراطات النقدية التي مارسها نقاده تعالقت بقوس نقدي وأطيافه في نسيج مضمارات سردية وإبداعية مثال “البطل في الزنزانة” يتساءل من خلال هذه القصة كيف يتعامل المبدع مع الواقع وهل يجيز لنفسه أن يغير الحوادث التي وقعت أو يضيف عليها أحداثا جديدة كي تنسجم مع البنيان الفني في القصة وفي رواية “ما تبقى لكم” يتساءل بوضوح لمن أكتب هل أكتب من أجل أن يكتب أحد النقاد في مجلة أنني أكتب رواية جيدة، وختم هلال بأن هذه الأحكام تصدر عن ذائقة حساسة عمادها الحدس والاستدلال والرؤية والاستشراف كانتباهه إلى الاقتصاد الأدبي وإلحاحه على الموهبة.
المشخص للوضع الفلسطيني
الكاتب سعيد البرغوثي عاد في حديثه إلى الذكرى الـ20 لاستشهاد كنفاني ذلك اللقاء الذي ضم سياسيين ومثقفين من أعلى المستويات معظمهم رحلوا إلى الذاكرة على حد تعبيره بعد أن منحوا القضية كل أمالهم وأحلامهم، واعتبر البرغوثي أن كنفاني أيقونة بأفكاره التي صلحت وتصلح لكل زمان ومكان حيث كتب بشكل أساسي للشعب الفلسطيني، وتوجه بخطابه لجموع من الناس العاديين ومع ذلك استطاع المحافظة على شروط الرواية وعندما قال “الإنسان قضية” لم يستثن نفسه بل عاش تلك الفكرة، فقد عاني الحزن والحرقة ليتحول إلى التحريض فكتب روايته “رجال في الشمس” وعندما وصلت القضية الفلسطينية إلى ذروتها أصبح الهاجس هوية تلك الثورة، وكان هاجس كنفاني الهوية فكتب روايته “عائد إلى حيفا”، وأكد البرغوثي أن كنفاني في منجزه الإبداعي كان المشخص للوضع الفلسطيني والمتتبع لأدبه يجد التلازم بين الرصد للواقع الفلسطيني وبين العملية الإبداعية بكل تجلياتها.
اهتم بالسياسة والأدب
وتحدث الفنان محمد الركوعي الأسير المحرر عن تجربة كنفاني الفنية مؤكداً أن موهبة هذا المبدع لم تأت عن دراسة، لافتاً إلى أن الكثير من رسومه استخدمها كأغلفة لكتبه وعدد اللوحات الموجودة 16 لوحة، وهناك لوحات انطباعية ولوحات أخرى فيها زخارف، ولفت الركوعي إلى أنه ليس هناك دراسات نقدية عن فن كنفاني كونه اهتم بالسياسة والأدب أكثر من فن الرسم.
رافق الفعالية معرض فني بمشاركة فنانين من سورية وفلسطين تحت شعار “غسان كنفاني فكرة، والفكرة لا تموت”.
جلال نديم صالح