تصعيد اليائسين
في الشمال يحشد أردوغان قواته، ويعدّ العدّة لنيل مكافأة دعمه اللامحدود للإرهاب، والمتمثّلة بالمنطقة الآمنة التي وعده الأمريكي بها بداية الحرب، وتحقيق أوهامه الطورانية المريضة، وإرضاء عقليته الإخوانية بعدوى التوسّع والاحتلال، والسيطرة على حقوق الغير.. وفي الجنوب يصعّد نتنياهو من اعتداءاته بصواريخ خلبية، من وراء البحار، بعد انهيار أسطورة الـ “إف 16” بصواريخ “تعد قديمة” وبأيادي أبطال دفاعنا الجوي.
رئيس النظام التركي مصدوم اليوم بعد أن تبخّرت أحلامه بـ “الآمنة” بعد رفض ترامب لمطلبه، وهذا الأخير لم يقم بذلك، لأنه يريد مصلحة السوريين، وإنما خوفاً على مرتزقته من ميليشيا ” قسد” التي تنفّذ أجندته، ولم يحن وقت التخلي عنها، حيث إن ذلك مرتبط بأجندة أكبر تتمثّل على المدى المنظور بحراسة آبار النفط لحرمان الشعب السوري من ثرواته، والتضييق عليه في سياق العقوبات الظالمة المفروضة عليه، وكذلك إبقاء ورقة الابتزاز على الطاولة ريثما يحين وقت التسويات الكبرى، ولهذا أصبحت المرتزقة اليوم أهم للأمريكي من أردوغان، الذي لم يعد يجد حضناً يرتمي فيه بعد أن فقد كل أصدقائه شرقاً وغرباً، وحتى في الداخل التركي. وهي في الحقيقة ذات الاستراتيجية التي اتبعتها الإدارات الأمريكية على مدى عقود من الزمن، وعليه باتت فرصة أستانا مطلع الشهر المقبل فرصة أخيرة ليعيد فيها أردوغان حساباته، ويتخلى عن دعم الإرهاب في إدلب ليجنّب نفسه الخسارة المدوية لو استمر في سياساته، فورقة الإرهاب ساقطة لا محالة مهما كان حجم الدعم، فالقرار السوري اتخذ بتحرير كل شبر من تراب سورية، وتخليص الأهالي من عذابات سنوات من القتل والتشريد والتنكيل.
بالتوازي يحاول نتنياهو اللعب في الوقت بدل الضائع بالضرب خبط عشواء، وجرّ المنطقة إلى حرب شاملة مستفيداً من حال التوتر الذي كرّسها ترامب بعد إلغائه الاتفاق النووي مع إيران، ووضعه المنطقة برمتها على فوهة بركان، يمكن أن يتفجّر في أي لحظة، وبالتالي يهدد أمن دول الشرق الأوسط، ما يرتّب لسورية الحق الشرعي في الرد الذي تراه مناسباً للدفاع عن أمنها والحفاظ عليه. والحقيقة أن الرد السوري في هذا الجانب لم يتأخّر يوماً ما، فسورية في خط المواجهة الأول منذ أكثر من خمسة عقود، وهي تخوض منذ ثمانية أعوام حرباً مفتوحة مع الإرهاب التكفيري، المدعوم أطلسياً وخليجياً وعثمانياً جديداً وإسرائيلياً، وذلك في إطار المحاولات المستمرة لثنيها عن مواقفها القومية، ولاسيما تجاه القضية الفلسطينية، ولكن معطيات الصراع، ومفهوم التوازن الاستراتيجي يمليان حسابات تكتيكية مختلفة، وقد تكون غير مفهومة أحياناً، فالصراع مع “إسرائيل” ينطوي على أبعاد دولية وعالمية، و”إسرائيل”، ككيان صهيوني، وحتى إشعار آخر، محمية امبريالية غربية تلعب دوراً رئيسياً في إثارة الفتن، وإيقاد جذوة الحروب لاستنزاف ثروات المنطقة، ولكنها في الوقت نفسه، ورغم حجم الدعم والحماية في المحافل الدولية، لم تعد قادرة على القيام بالمهمة على الوجه الأكمل.
بالمجمل، فإن وضع نتنياهو ليس بأفضل من أحوال أردوغان، وذلك في ضوء فقدان ترسانته العدوانية فعاليتها.. من هنا تأتي مخاوفه بعدما أصبح يدرك تماماً أن قواعد الاشتباك قد تبدّلت بعد القضاء على مرتزقته التي قدّم لها كل الدعم من تسليح وتمويل، وفي النهاية سقطت بالضربة القاضية، وتبخّرت معها كل الآمال التي راودت أحلام الكيان الصهيوني بإنشاء ميليشيات على الحدود موالية له لحمايته مما يحضّر له في قادم الأيام.
في النهاية فإن التحشيد في الشمال، والتصعيد في الجنوب ليس أكثر من محاولات لليائسين والباحثين عن دور جرّدته إنجازات جيشنا على كل جبهات القتال من أي فاعلية.. فالحرب بدأت تضع أوزارها، ومعها الحقائق آخذة بالتكشف، ولن يطول الوقت حتى تعلن سورية انتصارها، ولن يحصد الأعداء والمتآمرون والخونة سوى الخيبة.
عماد سالم