يد مطبقة على غبار!
سلوى عباس
ها هي السنون تركض كما اللحظات.. كما الثواني.. فجر آخر يذهب وآخر يأتي.. سنة أخرى بكامل أحلامها وهزائمها وانكساراتها وطموحاتها.. ويأتي عام آخر لا يختلف عما سبقه، فيستيقظ الألم في روحي من جديد.
هكذا يمر العمر، وتتوالى السنون، تتربع على ناصية الحلم تتهادى في طريقها قبل اكتمال قمرها.. هذا الفرح الذي يتدفق من عيون أحبة رافقوا حلمي ولحظاتي، ينتشر في عالمي زهوراً وأنغاماً.. سريعاً تنتقل عدواه إلى مسامي، إلى عروقي.. إلى خفقات قلبي فتنبض بهم وتهتف لهم وتحتويهم بحنان يتفجر من كل ذرة في كياني لأقول لهم كم أحبهم.. أصواتهم المنبعثة من كل مكان تملأ الأماكن بحضور سحري، تملؤها ضجيجاً وصخباً وأنساً يفجر الصمت، يسكت الملل ويتدفق هادراً يحكي صداه في المسامع والآذان.
أبداً لا تستطيع كلماتي مهما استفاضت واسترسلت أن تقول وتنقل لون هذه المشاعر التي تنتابني.. إنها ذاتية التفاصيل.. ذات خصوصية لا تندرج في وصفها كلمات تناقلتها الأجيال للأجيال.. إنها مشاعر انبعثت من خصوصية حكايتي التي جمعتني بهم عمراً لازالت دهشة بريقه تلتمع في عيوننا.
أغمس أصابعي في قلبي الراجف وأكتب عن ضراوة الوقت واعتلال أزمنتي بين يقظتي والصباح، بين أحلامي والانتظار، لاشيء يسبغ على دمي قوانين السكينة، سيل من مشاعري يداهمني على حين احتفال، شيء لا اكتناه له ولا أعرف في القواميس له اسماً، شيء كما طائر البرق يرخي ريشة من جناحه الأزرق فيلوّن الكون بها ويشعلني ثم يمضي تاركاً بي حريق القرنفل واندلاع الحنين.
أجمع بوحي في كفي حفنة من ماء الانكسار، ينسرب من بين أصابع القلب كما الضوء يشع راشحاً في الأرض، إلى أن أفتح كفي على ظلام فأرمي بستار من خيبة الرماد على قمر يرعى مروجي، تتملكني براثن سكينة تخمد عنبر الروح، أحاول أن ألم تلاً من فضة الأماني انداحت في الهاوية، أعيد ترتيب حروفي في صناديق كالتوابيت أزجيها لموج من صفرة البحر عساها أن تضيع على جزيرة فرح لا أعرفها، عسى أن تسعد بها الأسماك والرطوبة وملوحة الماء، عسى أن تلقى معانيها وراء المحيطات وبحار الظلمات، فعندما ترتفع أصوات من غابوا في وجداني ولا ألقى إلا الصدى وما من مجيب.. أكتشف أني شخص مفرد في حياة تحكمها غايات قد لا أمتلك مقوماتها فينفّض عني من لا يجدون لدي ما يستفيدون منه، فأنكفئ على نفسي مهزومة في واقع مقنّع بقيم مزيفة أسعى لتغييره علي أجد فيه مكاناً لي، فأرى نفسي أنظر في مرآة متشظية لا تعكس إلا روحي التي هشمتها حياة جرجرتنا جميعاً في متاهاتها، وأفقدتنا إنسانيتنا بلهاثنا وراء لحظة هاربة من عمرنا للإمساك بها، دون جدوى، فنرى أننا من العدم أتينا وإليه نعود ويدنا مطبقة على غبار في انتظار ميلاد آخر للحياة، فكم علينا أن نعيش من سنين وأعمار ودهور؟ وكم ينبغي أن نخوض من التجارب قد توصلنا لحافة الموت، لندرك أننا لم نزل أحياء.