أخبارصحيفة البعث

قبيل انطلاق الحملة الانتخابية في تونس.. انسحابات تكتيكية للمرشحين

أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، أمس، عن موعد انطلاق الحملة الانتخابية بالنسبة للاستحقاق التشريعي، تزامناً مع بداية انسحابات تكتيكية لبعض المترشحين للانتخابات الرئاسية.
وذكرت الهيئة في بيان أن الحملة الانتخابية للانتخابات التشريعية تنطلق يوم 14 أيلول القادم، أي قبل يوم من الانتخابات الرئاسية المبكرة.
وبعد أيام من فتح باب الترشح قبلت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات 26 مرشحاً بينهم امرأتان من بين 97 تقدموا بتسجيل ترشحهم لخوض الانتخابات الرئاسية، وأبرز من تضمنتهم القائمة الأولية رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد، ورئيس البرلمان بالنيابة عبد الفتاح مورو، ووزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي والرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي.
وبينما وجهت الأحزاب والقوى السياسية في تونس أنظارها مع بداية هذا الأسبوع، إلى ترتيب الأولويات ومراجعة الحسابات بعد ازدحام شديد شتت المواجهة على كرسي قرطاج، بدأت أحزاب أخرى تجنيد صفوفها لكسب الانتخابات التشريعية التي تعد الأهم في نظام برلماني يشكّل فيه مجلس النواب والحكومة السلطة الفعلية في البلاد.
وبدأت الانسحابات التكتيكية لبعض المرشحين للاستحقاق الرئاسي تخرج للعلن منذ الأحد، على وقع الحاجة إلى تفاهمات وصفقات تُبعد تصادم انتخابي سيبعثر الأصوات، ويشتتها على غرار ما قام به الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي خلال انتخابات 2014 حين قاد حزبه نداء تونس للفوز بالرئاسة.
وكان فتحي الورفلي رئيس حزب “تونس بيتنا” أول المعلنين عن انسحابه من غمار الانتخابات الرئاسية، حيث ترك المجال لدعم مرشحة “حزب الأمل” الوزيرة السابقة في حكومة الشاهد ومستشارة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي سلمى اللومي.
وتواترت أنباء أيضاً عن إمكانية انسحاب وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي لصالح رئيس الحكومة السابق المهدي جمعة، لكن إدارة الحملة الانتخابية للزبيدي نفت خبر الانسحاب بشكل قطعي.
وتتحدّث الكواليس السياسية حالياً عن مفاوضات بين جهات وأحزاب لانسحاب بعض المترشحين للرئاسة لتعزيز حظوظ مرشح توافقي لمنع تشتت الأصوات، وهو ما سيساهم في خلط الأوراق وإعادة تشكيل خارطة النتائج من جديد.
ومن المرجح أن تقف تنازلات بعض المترشحين للرئاسية لفائدة آخرين عند حدود سحب الترشح فقط دون الدعم أو حشد الأنصار، حيث يبقى الهدف من تلك الانسحابات تحقيق نتائج إيجابية في الانتخابات التشريعية لتعزيز تمثيل الحزب المعني في المشهد السياسي الجديد.
ومن شأن الانسحابات من السباق الرئاسي تقليص تشتت الأصوات التي ستؤثر على الناخب بهدف توجيهه لاعتماد نظرية “التصويت المفيد” الذي اعتمده حزب نداء تونس في انتخابات 2014 أمام المرشح المدعوم من النهضة المنصف المرزوقي وفاز بعده الباجي قائد السبسي برئاسة تونس.
لكن انتخابات الرئاسة 2019 لا تشبه نظيرتها في 2014، فتقديم موعد الاستحقاق الرئاسي قبل الانتخابات التشريعية، على إثر وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي المفاجئة في 25 تموز الماضي، جعلت نتائج الانتخابات في تونس مفتوحة على كل الاحتمالات.
ولن تستثني حملة التنازلات حركة النهضة، حيث لمّح رئيس مجلس الشورى عبدالكريم الهاروني، إلى إمكانية تنازل بعض المترشحين لصالح مورو.
والأحد، رجح الهاروني خلال اجتماع في محافظة مدنين (جنوب) إمكانية انسحاب حمادي الجبالي المترشح للرئاسية لصالح عبد الفتاح مور، قائلاً: إن “هذا وارد جداً”.
تصريح الهاروني يأتي بعد يوم فقط من نفي الجبالي لفرضية الانسحاب من الرئاسيات، بعد تناقل خبر إمكانية انسحابه لصالح المرزوقي.
وفضلاً عن ذلك من المنتظر أن تشهد القائمة النهائية للمترشحين للرئاسية تراجعاً في عدد المترشحين بعد النظر في الطعون والشكاوى التي تم تقديمها على خلفية التلاعب بالتزكيات.
وكانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فتحت باب تقديم الشكاوى إذا ما ثبت تدليس توقيعات أو استعمال معطيات شخصية في تزكيات المترشحين للرئاسة بعد ورود شبهات تدليس.
وحسب قائمة التزكيات للمترشحين للرئاسة التي نشرتها الهيئة فإن أكثر من نصف نواب البرلمان شاركوا في التزكيات من بينهم نائبان زكيا أكثر من مترشح.
وكشفت قائمة المزكين مفاجآت مريبة، حيث بدت غير منطقية ومتناقضة على غرار تزكيات نواب النهضة الذين لم يمتثل بعضهم لدعوات دعم مرشح الحركة مورو.
وكانت النهضة قد دعت في وقت سابق أنصارها “لدعم ترشح مورو والالتفاف حوله باعتباره قراراً صادراً عن المؤسسات الرسمية للحركة”.
وترشيح مورو للرئاسيات في حد ذاته كشف عن انقسامات حادة داخل الحركة، التي بعثرت حساباتها وفاة قائد السبسي قبل نهاية فترته الرئاسية بأشهر، ما أرغمها على دخول غمار الانتخابات الرئاسية بمرشح مكشوف للمرة الأولى في تاريخها.
ويقول مراقبون للشأن السياسي في تونس: إن النهضة التي طالما عرفت بمراوغتها وخطابها المزدوج، لن تكتفي بمرشحها المعلن من داخل قواعدها، حيث ستبقي الباب موارباً لمرشّح ثان من خارج الحركة ستدعمه سراً لتضمن ولاءه في القصر الرئاسي.
وستكون هذه الانتخابات مصرية بالنسبة للحركة الإخوانية، فهي بمثابة اختبار لها بعد خسارة خزانها الانتخابي بعد فترة حكم اتسمت بالفشل، وهو ما اضطرها لانتهاج طريقة تواصل جديدة لإقناع الناخبين بعد اهتزاز صورتها لدى الرأي العام التونسي.
ويبدو النفي والتأكيد والغموض الذي تمارسه النهضة بمثابة الضغط على باقي المرشحين، في وقت انصرف فيه رئيسها نحو الأهم: الانتخابات التشريعية.
ففي وقت تجنّدت فيه الأحزاب والمستقلين لحشد الدعم للانتخابات الرئاسية، انصرفت النهضة بهدوء نحو الانتخابات التشريعية، حيث بدأ رئيسها بالتحرّك ميدانياً وحضور الاجتماعات مع ممثلي الحركة ومرشحيها للاستحقاقات التشريعية في عدد من المحافظات التونسية.
ويفسر مراقبون انصراف الحركة الإخوانية إلى الانتخابات التشريعية مع التمسك نظرياً بالرئاسيات، بسعيها لمنع منافسيها من التيار الحداثي والوسطي وحتى حلفائها، من التكتل والتوافق حول مرشح واحد يمكنه هزمها مثلما فعل قائد السبسي خلال انتخابات 2014. فضلاً عن ذلك تشير تطلعات عدد كبير من التونسيين نحو اختيار الشخصيات المستقلة إلى أن نتائج الانتخابات الرئاسية كما التشريعية ستكون مفاجأة إلى حد ما مع تغير المزاج السياسي لدى أغلب التونسيين في ظل عدم وفاء الأحزاب السياسية بوعودها في السابق.
وكانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أعلنت تقدم 1500 قائمة للانتخابات التشريعية، منها 500 قائمة مستقلة، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ تونس.
يذكر أن نفس السيناريو حصل في الانتخابات البلدية العام الماضي، حيث انتصرت القائمات المستقلة في أكثر من 80 دائرة بلدية من مجموع 350 دائرة.