بالجملة والمفرّق
د. نضال الصالح
في سلطنة عُمان، وحسب مركزها الإخباري، تمّ الكشف عن ألف ومئتين وخمسين شهادة جامعية مزورة في مختلف الاختصاصات، وممّا قال المركز نفسه، إنّ تلك الشهادات تمّ منحها من جامعات خارج السلطنة، من دون أن يفصح عن أسماء تلك الجامعات التي ما مِن ريب في أنّها عربية وغير عربية، ورسمية وغير رسمية، بآن.
ربّما الخبر أقلّ من عادي في زمن أتخم بالتزوير، والتزييف، والتعالم، والتفاصح، و… وسوى ذلك ممّا يتضاد والحقيقة، ويرغمها على الوقوف على رأسها بدلاً من وقوفها على قدميها. ربّما، ولكن ما ليس عادياً أن يصبح التزوير، والتزييف، والتعالم، و.. عادياً، بل أقلّ من عاديّ، فتغصّ الجامعات بأصحاب الشهادات الزائفة، وتزدحم المؤسسات بحملة الشهادات الضالّة، ويبلغ هؤلاء وهؤلاء مواقع متقدمة في صناعة القرار، أيّ قرار يخصّ هذه الجامعة أو تلك، أو هذه المؤسسة أو تلك.
وما ليس عادياً أن تتم معادلة تلك الشهادات في الجهات المختصة بذلك، فيتسلّق أصحابها قلاع الحقيقة والحقّ إلى أن يبلغ الأمر بالكثير منهم تصديقه بنفسه أنّ الشهادة لائقة به، وأنّه لائق بها، والويل والثبور وعظائم الأمور لمن تسوّل نفسه له الانحياز إلى الحقيقة، فلا يسبق اسم صاحب تلك الشهادة باللقب العلمي، أو يناديه به، ولمن يعض بالنواجذ على الضرورة القائلة بأنّه من الممكن للإنسان تدنيس ما يشاء من مفردات الحياة سوى العلم، وسوى الشهادات العلمية، وسوى اللقب العلميّ الذي استبيح في العقود الأخيرة إلى درجة تدفع بالمرء إلى التساؤل: ما دام لدى هذه الأمة هذا العدد الجمّ كلّه من حملة الشهادات العالية، فلمَ هي على هذا النحو المفجع من حال الفوات الحضاريّ، بل الخراب، أجل الخراب، على غير مستوى؟
هنا وهناك، وفي غير جامعة، وفي غير مؤسسة، غير قليل ممّن ينسبون أنفسهم إلى حملة الشهادات العالية، وهم ليسوا جديرين بها، كما هي غير جديرة بهم، وقد تسلّم بعض من هؤلاء بعض المسؤوليات، بدءاً من أصغر وحدة مؤسساتية وانتهاء برأس الهرم فيها، وكان من أبرز إنجازات هؤلاء تحويل هذه المؤسسات إلى إقطاعيات خاصة بهم، تبارك المصفقين للدكتور الزيف، وتسبّح بمجده، وتفتك بكلّ مَن يوسوس شيطان الغيرة له، بتعبيرهم، محاولته الجهر برأيه حول حقيقة الشهادة التي يحملها الأغا، صاحب الشهادة الزيف.
ومن البدهيّ أن يكون لهؤلاء إنجازات غير تلك، كأن ينسبوا لأنفسهم إحاطتهم بمجمل حقول المعرفة، من الشنفرى والنابغة إلى السياسة إلى علم الفلك والفيزياء وعلم الحرب وسوى ذلك، وكأن يزعم أحدهم، وهو الذي يحمل شهادة عالية من جامعة غُفل في ليبيا على سبيل المثال، أنّه ناقد أدبيّ، وكأن يدّعي أحد مختص بمشاهد الضباع في الشعر النبطيّ قدرته على الكتابة عن فرجينيا وولف، ووالت ويتمان، وجبرا إبراهيم جبرا، و… إلى آخر تلك القائمة من المبدعين الذين تتطلب قراءة نتاجهم قارئاً نوعياً، فكيف إن كان الأمر يعني نقد إبداعهم، بل الكتابة عنه فحسب. هنا وهناك تزوير بالجملة وآخر بالمفرق، والذبيحة والفريسة هي الحقيقة.