“طاقاتنا المتجددة” فرص استثمارية تتطلبها مرحلة شح “الأحفورية التقليدية” والحصار الاقتصادي! “بحوث الطاقة” أنموذج في مشاريعها.. فلماذا كل هذا “الجبن” من القطاع الخاص ؟!
لا نعلم حقيقة إلى أين وصلت اللجنة المختصة التي كان قد كشف عن التحضير لتشكيلها قبل الشهر الماضي، بهدف إعادة النظر في شروط وأسعار ترخيص مشاريع الطاقة المتجددة لتتناسب مع الواقع الحالي، وبشكل ومضمون يوائم ما بين مصلحة الاقتصاد الوطني وضمان تشجيع أكبر للاستثمار الخاص.. لكننا نعلم أن موضوع الاستثمار في مشاريع الطاقات المتجددة لا يزال يحتاج للعديد من المتطلبات التشريعية والتسهيلات المالية والدعم التمويلي وغيرهما..، والدليل ببساطة السعي لتشكيل مثل تلك اللجنة، وأن هذا الموضوع، وعلى الرغم من أهميته وضرورته وما ينفذ فيه من مشاريع (مشاريع مركز بحوث الطاقة الكهربائية مثلاً..)، إلاَّ أنه لم يرتقِ للمعالجات والحلول المناسبة التي يحتاجها ووفقاً لضرورات المرحلة، علماً أن هذه الخطوة (أي تشكيل اللجنة)، تأتي في إطار اعتبار موضوع الطاقات المتجددة خياراً استراتيجياً للحكومة، ومن ضمن أولوياتها وأولويات وزارة الكهرباء التي كان أعلن وزيرها المهندس زهير خربطلي، عن الكلفة الإجمالية لمشاريع الطاقة المتجددة التي تنفذها الوزارة ضمن خطتها الاستراتيجية، حيث تصل لنحو 97 مليار ليرة، ما يعني أن تنفيذ هذه المشاريع سيوفر 48.500 طناً من الفيول تتجاوز قيمتها الـ 8.73 مليارات ليرة سنوياً وفقاً للوزير نفسه.
أطلس وخلافه..
قبل الأزمة كنا تابعنا وكتبنا مراراً عن الأطلس الريحي الذي تم إنجازه، وحدد فيه الأماكن المناسبة لإقامة مشاريع توليد الطاقة من الرياح وتقديرات الإنتاج والوفر الهامين جداً، كما كنا نشرنا معلومات علمية دقيقة لمقدار الكمون الريحي والشمسي المتوفر على مساحة الأرض السورية، لكن تلك الأرضية العلمية والمعلوماتية والمالية، وما حبانا الله به من أيام سطوع شمسي، طاقة ريحية، لم تشفع لـ “طاقاتنا المتجددة”، كي تأخذ طريقاً للاستثمار الأمثل وفي التوقيت والمكان المطلوب، مع علمنا وتسليمنا موضوعياً، أن دخولنا الأزمة حدَّ من ذلك كثيراً في المناطق الساخنة، لكن بالمقابل كان هناك مناطق ومواقع ومنشآت ومبانٍ عامة وخاصة جاهزة للاستثمار في هذه الطاقات المهدورة التي لا تزال تنتظر الفرج.
موازنة..
وكما نسجل ملاحظاتنا السابقة، استناداً لما يعانيه اقتصادنا الوطني ومن خلفه خزينتا العامة، من عبء فواتير الطاقة التقليدية بشقيها الكهربائي والنفطي، وصعوبات تأمين احتياجاتنا منها في ظل الحصار الجائر والمقاطعة الاقتصادية، نسجل أيضاً ما تم على صعيد مشاريع الطاقات المتجددة، التي ينفذها المركز الوطني لبحوث الطاقة الكهربائية، وهي مشاريع نأمل لها التقدم والتطور المتسارع، خاصة أن المركز أصبح لديه كم ونوع من الخبرات التي تؤهله ليستثمر بقوة في هذا القطاع الواعد بفرصه…
الدكتور يونس علي المدير العام للمركز، وفي تصريح لـ”البعث”، كشف عن أن الكلفة التقديرية لمشاريعه في الطاقات المتجددة “الشمسية فقط” لهذا العام 2019، وصلت لنحو 800 مليون ليرة (وفق موازنة البنك المركزي عام 2013).
مشاريع بالجملة
وعن تلك المشاريع أكد أنهم يعملون على توطين مشاريع الطاقة “الكهروضوئية”، إذ حالياً يتم دراسة العروض المقدمة من الشركات لتنفيذ محطة كهروضوئية باستطاعة 1 ميغا واط بالقرب من محطة تحويل قطينة في محافظة حمص، مبيناً أنه من المتوقع البدء به هذا العام، وأن الإنجاز سيكتمل في الربع الأول من العام القادم 2020، منوهاً إلى المشروع الذي أنجز وبالاستطاعة نفسها في اللاذقية.
وفي إطار المشاريع نفسها لفت إلى تعاون المركز مع وزارة التعليم العالي للاستفادة من أسطح الجامعات لتركيب منظومات “كهروضوئية” تزود الجامعات بجزء من الكهرباء اللازمة، حيث تم الاتفاق مع جامعة دمشق لتنفيذ مشروع باستطاعة 700 كيلو كمرحلة أولى، وهو قيد التنفيذ حالياً، وسيتم وضعه بالخدمة نهاية الشهر 11 من هذا العام (40% نسبة الإنجاز حالياً)، كما سيتم تنفيذ مشروع آخر في جامعة البعث العام القادم باستطاعة 700 كيلو، أي إنتاج ما مقداره 1.200 كيلو واط ساعي سنوياً في كل جامعة، وبذلك يكون الوفر 300 طن مكافئ سنوياً من الوقود التقليدي تبلغ قيمتها 120 ألف دولار. كما يتم التواصل مع جامعات حلب وتشرين وطرطوس لتشميلها بهذا المشروع، مؤكداً أنه سيكون هناك مشروع في كل جامعة وعلى التوالي كل عام ليشمل كل المحافظات السورية، لافتاً إلى أن مدة تنفيذ هذه المشاريع تستغرق خمس سنوات، والفائض منها يحول إلى الشبكة العامة.
ومع وزارة التربية هناك 6 مدارس في دمشق هذا العام يُعمل على تنفيذ مشاريع “كهروضوئية”، ستنتج نحو 530 كيلو، أي إنتاج 900 ألف كيلو واط ساعي سنوياً، وبوفر مالي قدره ما بين 65 – 70 مليون ليرة، إضافة إلى 140 كيلو على سطح المجمع التربوي في ضاحية قدسيا بريف دمشق، وكذلك في محافظة حمص حيث سيتم البدء بتنفيذ مشروع باستطاعة 400 كيلو في مجموعة من مدارسها، وهناك أيضاً في محافظة طرطوس، وضمن خطة المركز للعام القادم 2020، مشروع مماثل سيتم تنفيذه، والهدف تعميم التجربة في مختلف المحافظات وبشكل متسلسل سنوياً.
توفر 5 – 7 آلاف ميغا
وفي مجال توليد الطاقة من الرياح، بيّن يونس أنه وفقاً لأطلس الاستثمار في هذا مجال، تم تركيب 17 محطة قياس في مختلف المناطق السورية لتنفيذ مشاريع ريحية لإنتاج الطاقة الكهربائية، آخرها محطة لقياس ودراسة سرعة الرياح في الشريط الساحلي في منطقة الحميدية جنوبي طرطوس، و حالياً يجري جمع البيانات والقياسات التي سيتم بناء عليها إجراء الدراسات الفنية والاقتصادية، وتحديد مدى الجدوى الاقتصادية من تركيب هذه العنفات، موضحاً أن هذه المواقع تسمح بتركيب ما بين 5 و7 آلاف ميغاواط في معظم المناطق الواعدة ريحياً، والتي تمتد من سهل الغاب إلى فتحة حمص وصولاً للحدود الإدارية لمحافظتي دير الزور والرقة والقلمون والقنيطرة والمناطق الشرقية بريفي دمشق والسويداء، لإقامة مزارع ريحية سواء كمشاريع مفتاح باليد أو كمشاريع استثمارية تنفذ من قبل القطاع الخاص وفق قانون الكهرباء رقم (32) لعام 2010.
ننتظر..؟
وعن مشروعهم في منطقة السنديانة، فدراسات المركز جاهزة وكاملة، وينتظر الشركات الاستثمارية لتقدم عروضها، لافتاً إلى أن هناك تسهيلات ودعماً تمويلياً للتنفيذ، حيث سيتم تركيب عنافات ريحية باستطاعة 10 ميغا واط ، بتكلفة 10 ملايين يورو وفق مبدأ مفتاح باليد.
عود على بدء
ما نكأ وجعنا في “الطاقات المتجددة”، هو ما أقدم عليه المركز الأوربي السوري الذي يعمل في مجال صناعة هذه الطاقة، إذ أقدم مؤخراً على تركيب عنفة ريحية في منطقة برشين، أي مشروع خاص به، وسيتم بيع الدولة من الطاقة المنتجة، علماً أنه المركز نفسه الذي وقع اتفاقية مع وزارة الكهرباء قبل بدايات الأزمة، لتصنيع وتركيب عنافات ريحية، حيث وفقاً للعقد الموقع يبلغ وزن العنفة الواحدة 40 طناً..، لكن لعدم تمكنه من الالتزام ولأسباب أخرى كما علمنا تراجع عن الاتفاقية، ليبقى السؤال: لما كل هذا الحذر والتردد من قبل القطاع الخاص في الخوض في الاستثمار بالطاقات المتجددة، رغم كل ما قدمه المركز من نماذج مشجعة ومؤكدة في جدواه الاقتصادية…!؟
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com