“المربع الأسود”.. الحب دافعنا للصمود في زمن الحرب
ومضات من ذاكرة المؤلفة صاغتها لتقدمها إلينا عبر 221 صفحة ضمن إطار شيق نشعر معه أننا عشنا تلك التجارب شخصياً، تختصر الروائية والشاعرة بلقيس حميد حسن في روايتها “المربع الأسود” والتي تبدأ أحداثها في مدينة دمشق عام 1979 ما يعانيه الإنسان العربي من جهل وفقر من حروب تستنزف الأرواح والأحلام، فهي تضع يدها على الجرح وعلى حقيقة العالم الذي نعيشه فتقول: “أسفت لأن الدنيا تغيرت وبات اللهاث وراء المال يسترخص كل شيء حتى الكرامة، الإنسان بهذا الفعل يهين الحياة التي تنحط يوماً بعد آخر بانتهاك قدسيتها ليس هناك ما هو مقدس أكثر من الحياة والحياة هي الروح، وحين يلغي الإنسان روحه ويصبح جسداً وسلعة ينتهك كل شيء” وتطالعنا في العناوين الفرعية التي اختارتها حكايات القهر والتعاسة، حكايات الغربة والوجع والحنين، وربما كان ذلك يعبر بشكل كبير عن الحالة التي تعيشها المؤلفة، إذ قضت القسم الأكبر من حياتها بعيدة عن وطنها الأم العراق.
القضية المحورية في الرواية هي فكرة النضال التي حملتها الكاتبة معها منذ يفاعتها وهو ما ترجمته لاحقاً بالانضمام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في بيروت ومعايشتها لفترة الحرب الأهلية في لبنان والاجتياح الإسرائيلي لها، وتتحدث رواية المربع الأسود عن المرأة المقهورة التي اضطرتها ظروف الحياة لأسباب مختلفة للسفر والعمل في أقذر المهن التي تستبيح حرية وكرامة الإنسان وتتحدث أيضاً عمن جاؤوا من البلاد الأجنبية للوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية لقناعتهم بعدالتها، في حين أن بعض الفصائل الفلسطينية مازالت غارقة في الخلافات والنزاعات الشخصية وكل ذلك على حساب القضية المركزية، أما حكاية الاستلاب والجهل الذي يعيشه السواد الأعظم من الشعب العربي، فتبدو بوضوح من خلال موقف صاحب المقهى الذي يتخذ موقفاً سلبياً من الأستاذ موريس لأنه من دين آخر، ولحسن الحظ تقدم المؤلفة النموذج الايجابي لرجل الدين ممثلاً بشيخ الجامع الذي يقدم الدين الصحيح الذي يدعو للتسامح واحترام الآخر وهو ما ينعكس لاحقاً على صاحب المقهى الذي يغير موقفه السلبي من الأستاذ موريس، وضمن أحداث الرواية تتحدث المؤلفة عما يسمى “بالربيع العربي” وما تعرض له أبناء سورية والعراق من جرائم فظيعة تحت ستار الدين، كما يبدو للمكان حضوره الطاغي لدى الكاتبة التي لا تقدم نفسها كبطلة وحيدة، فمع الصفحات الأولى تبرز أهمية المكان بوضوح عندما تحدثنا خلال وجودها في دمشق عن سوق الحميدية والجامع الأموي وساحة المرجة ونهر بردى، وعندما تتحدث عن حنينها لوطنها العراق الذي عاشت بعيداً عنه.
من يقرأ الرواية يلاحظ مباشرة غياب الترتيب الزمني للأحداث مما قد يسبب للقارئ بعض التشتت، لكن هذا لا يقلل من أهمية الرواية التي يمكننا أن نصنفها ضمن سياق السيرة الذاتية، علماً أن العمل يحمل جانبا توثيقيا هاما عن أحداث مهمة عاشتها المؤلفة وعايشتها.
جلال نديم صالح