ترامب يقود حرباً تجارية “حمقاء”
علاء العطار
بدا الرئيس الأمريكي مشوشاً خلال الأسابيع الماضية، فقد صعّد الحرب التجارية مع الصين بشكل خطير، وأمر الشركات الأمريكية بإيقاف التعامل معها، وهدد بفرض عقوبات على رجال الأعمال والشركات التي ستشارك في معرض دمشق الدولي ودعاهم إلى التراجع عن مشاركاتهم، وأعلن أن العالم بأسره يمر بفترة من الركود، وألغى زيارته إلى الدانمارك بعد أن عدّ رئيس الوزراء الدانماركي اقتراحه بشراء جزيرة غرينلاند سخيفاً، وأرسل أداؤه في اجتماع مجموعة السبع في بياريتس الفرنسية رسائل متضاربة احتلت مكاناً بارزاً في العناوين الصحفية.
لقد منحت قمة السبع العديد من الأسباب التي تجعلها مدعاة للسخرية، لأن المناقشات التي دارت في القمة وعلى هامشها كانت دليلاً واضحاً على مستوى الارتباك المتفشي بين الدول السبعة فيما يخص التحديات التي تواجهها الآن، فمنذ وقت ليس ببعيد كانت هذه الدول تسعى للهيمنة على العالم، لكن زعماءها الآن يتباحثون فيما بينهم إما حول الأمور التكتيكية الثنائية، أو يختلفون ببساطة حول ما يعتبرونه مهماً في نظرهم.
وكعادته، خطف ترامب الأضواء ببلاهته المعهودة و”حديثه التافه”، حسب وصف صحافي واشنطن بوست، مايكل غيرسون، والذي أتبع ذلك الوصف بقوله: إن ترامب ينتقل من “موضوع لموضوع بثقة بالغة وجهل مفزع وازدواجية متصلبة وبأقل درجة ممكنة من الترابط المنطقي… ما أثار قلق موظفيه”.
واقتبس ترامب في تغريدة له على تويتر شخصيةً يمينية متشددة ادعت أن “الإسرائيليين يعتبرون ترامب ملك إسرائيل”، ثم أشار إلى نفسه أمام الصحافة بأنه “الرجل المختار”، وقال للمراسلين إنه كان على الرؤساء الأمريكيين السابقين بدء الحرب التجارية مع الصين منذ وقت طويل، وأتبع ذلك بتغريدة على تويتر، قال فيها “خسرت بلدنا بغباء تريليونات من الدولارات مع الصين على مدار سنوات عديدة، لقد سرقوا ملكيتنا الفكرية بمعدل مئات المليارات سنوياً، وينوون الاستمرار بفعل ذلك”.
وهدد ترامب أيضاً بإرسال مقاتلي “داعش” إلى فرنسا وألمانيا إذا لم يوافقوا على أخذهم (بصرف النظر عمّا كان يعنيه بذلك) وادعى أن فلاديمير بوتين “تعيَّش من تفوقه بالحيلة على أوباما”، وعندما سُئل عن زيارته إلى مدينتي إلْ باسو ودايتون في أعقاب عمليات إطلاق النار الجماعية في هاتين المدينتين، أجاب: “عندما ذهبت إلى إل باسو ودايتون ودخلت إلى تلك المشافي كان حبهم لي وحبي لهم لا نظير له… وكان المئات والمئات من الناس يملؤون الأرضية”، كما أكد للجميع مجدداً أنه أقل الرؤساء الأمريكيين عنصرية، وهذا اعتراف ضمني بعنصريته.
وإضافة إلى الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، لوّح ترامب بحرب تجارية مع فرنسا وأوروبا، إذ هدد بفرض رسوم جمركية مشددة على النبيذ الفرنسي رداً على فرض فرنسا ضرائب على شركات الانترنت العملاقة الأميركية، مثل آبل وفيسبوك وغيرها.
لا أحد يعرف ما جعله متحمساً للغاية، لكن هناك أمراً واضحاً في هذه المرحلة، وهو أن العالم لم يعد يتظاهر بأن رئيس الولايات المتحدة يتمتع بالكفاءة والعقلانية وباتت دول العالم تتولى زمام الأمور بأيديها دون استئذان الولايات المتحدة، وخاصة الأوروبية منها.
لم يختلف اجتماع الدول السبعة الأخير عن سابقه كثيراً من ناحية تعامل ترامب مع نظرائه وكأنهم خدمه المتزلفون وتصرفه بغطرسة وتكبر كما لو أنه فرعون، فرفض التوقيع على البيان المشترك كتعبير عن غضبه على خلفية لقطة فوتوغرافية سريعة تظهر ميلانيا ترامب وقد سرّحت النظر في رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو، لكن الاختلاف يكمن في أن رئيس ما تزعم أنها “الدولة الرئيسية” نزل إلى مستوى العجوز الخرف الذي يضحك عليه الجميع عندما يبدأ بالثرثرة، بحسب وصف موقع سالون الإخباري، ويبدو أن الجميع أدركوا أخيراً أنهم غير قادرين على إقناع ترامب بالحجج المنطقية والعقلانية، وبالتالي يتحتم عليهم توحيد جهودهم لإرغامه على تغيير سلوكه الأرعن.
وقال رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك في خطاب ألقاه قبل بدء الاجتماع: إن الحروب التجارية التي يشنها ترامب توشك على التسبب في ركود عالمي، وعقد الرئيسان الفرنسي إيمانويل ماكرون والأمريكي دونالد ترامب لقاء مفاجئاً حول مائدة غداء في بياريتس لاستعراض بعض المسائل، حيث قيل: إن ماكرون وضع أمامه قائمة بالأزمات التي يجب معالجتها بينما كان ترامب يلتزم الصمت، فهو لم يكن يريد سماع أن حربه التجارية أخفقت، ربما كان يفترض أنه سيكون موضع ثناء ومديح على “شجاعته” في مواجهة الصين، كما أنه لم يُرد مناقشة البنود الأخرى المدرجة في جدول الأعمال، مثل احتراق غابات الأمازون وحقيقة أن الدول الصناعية تدمر الكوكب، إذ أنه وإدارته يعتقدون أنها مسائل غير جديرة بأن تشغل بال وانتباه رئيس الولايات المتحدة.
وكانت إحدى الضربات التي تلقاها ترامب هي محاولة قادة مجموعة السبع إقناعه بإنهاء حربه التجارية الحمقاء، وأتته أقوى الضربات من رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي كان يُعتقد أنه أقرب حليف لترامب بين مجموعة السبع، إذ قال أمام الصحافة “بشأن الحرب التجارية، نؤيد السلام التجاري عموماً، ونعمل على عدم تصعيدها إذا استطعنا”.
ربما كانت أكثر علامة على أن الولايات المتحدة لم تعد تؤخذ على محمل الجد هي الخطوة الجريئة التي قام بها الرئيس الفرنسي بدعوته وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، للاجتماع على هامش القمة، لكن بعد عدة اجتماعات ثنائية وثلاثية، فشل القادة في الاتفاق على أي عمل مشترك فيما يخص القضية النووية الإيرانية، وقال الرئيس الفرنسي: إن أعضاء مجموعة السبع سيتصرفون بشكل فردي بشأن هذه القضية الشائكة، وأضاف: “ليس هناك تفويض رسمي في مجموعة السبع، سنواصل العمل كلٌّ في دوره”، وربما كانت خطوة ماكرون طريقة لإعلام إيران بأن الدول الأوروبية باتت تتصرف بشكل مستقل عن الولايات المتحدة.
يحاول ترامب الآن حفظ ماء وجهه، مدعياً أنه ربح الحرب التجارية لأن “الصين اتصلت” وتريد عقد صفقة، وهذا بالطبع أمر غير صحيح تماماً، فقد أجاب المسؤولون الصينيون أنهم يرغبون في حل “هادئ” للنزاع فحسب، ومن يدري إلى أين سيكون المآل؟ لم يعد قادة العالم يأخذون ترامب على محمل الجد، فهو مجرد طائش تجب السيطرة عليه، وربما من الأفضل له تجنب الحضور في الاجتماع المقبل عام 2020 إن أراد فعلاً حفظ ماء وجهه.