“من سمات اللغة العربية ولطائفها”.. الكُتيب الموسوعة
“من سمات اللغة العربية ولطائفها”، كُتيب لا يتجاوز عدد صفحاته الـ 100 صفحة صادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، لكن مؤلفه د. “محمود السيد”، يدرك جيدا أن قيمة كتاب ما، لا بعدد صفحاته، فالكثير من المجلدات الثقال، لا يساوي ما جاء فيها، حتى قيمة طباعتها، أو الحبر الذي كُتبت فيه، وذهبت كما ذهب من شاكلها، إلى عوالم النسيان والهجران والغرق في لجة الظلمة، بما تحتويه من كلام “هلث” كما يصف المصريون الكلام الفارغ من المعنى.
“السيد” ذهب في تلك الصفحات القليلة نسبيا لتقديم معلومات بديعة، رشيقة، غير متداولة، خصوصا في الزمن الحالي، وتلك الصفحات بمضمونها التعليمي، تُناسب كل الشرائح العمرية من القُراء، فلا أحد يكبر على التعلم، لكنها ومن وجهة نظر شخصية، موجهة بشكل خاص لجيل الشابكة، الذي لا يُحمّل نفسه عناء قراءة كتاب للبحث عن معنى ما أو مرادفة لمفردة ما في لغته الأم، وكلما احتاج إلى شيء من هذا القبيل، هرع إلى (غوغل)، يقرأ ما يريد باختصار شديد، ثم ينصرف لقضاء شأنه، دون حتى أن يعود لتذكر ما بحث عنه بغرض حل وظيفة ما، أو شيء من هذا القبيل، وما يدفعنا أكثر لليقين بكونه يُخصص ما وضعه من معلومات لطيفة بين دفتي هذا الكتاب، هو ما أسلفناه في البداية عن حجمه، فهو من القطع المتوسط، عدد صفحاته 72 صفحة، وما فيه من معلومات بسيطة واضحة وأمثلة عملية يتضمنها، هي فعلا من سمات اللغة العربية ولطائفها.
اللغة العربية كما هو معروف عنها عالميا، هي من اللغات الست المعتمدة في الأمم المتحدة بكونها من اللغات التي ساهمت وتساهم في إغناء مسيرة الحضارة البشرية، عدا عن كونها من اللغات التي ذهب الكثير من الكُتّاب إلى دراستها والتعمق فيها ومن ثم وصفها ببديع ما جادت به القريحة البشرية، فها هو “ابن جني” في كتابه “الخصائص” يصفها بقوله: “إذا تأملت حال هذه اللغة الشريفة الكريمة اللطيفة، وجدت فيها من الحكمة والدقة والإرهاف والرقة ما يملك عليّ الجانب الفكري”، إنها للصفات التي ذكرها من جمالها، تستحوذ برهافتها ولطفها على آلية التفكير إلا بها ومنها، حتى أنها عندما تبذخ بالجمال، تُصبح كخمرة الشعراء، تصيب بالنشوة، تُذهب بالكدر، تاركة الجوهر يتلألأ كحباحب النبيذ المعتق، قبل أن ينسدل الجمال كوشاح سماوي صاف، من بين مفرداتها وتراكيبها وعلائقها اللغوية البديعة.
لكن تبجيلها وتعظيم دررها، لم يقتصر على العرب فقط، فالعالم البلجيكي “جورج سارتون” يقول عنها: “وهب الله اللغة العربية مرونة قادرة على جعلها قادرة على تدوّن الوحي أحسن تدوين بجميع دقائق معانيه، وأن تُعبر عنه بعبارات عليها طلاوة، وفيها متانة، وهي أسهل لغات العالم وأوضحها؛ وعنها أيضا كتب العالم الألماني “فرنينباغ”: ” ليست لغة العرب أغنى لغات العالم فحسب، بل الذين نبغوا في التأليف بها لا يمكن حصرهم، وإن اختلافنا عنهم في الزمان والسجايا والأخلاق، أقام بيننا نحن الغرباء عن العربية، وبين ما ألفوه حجابا لا نتبين ما وراءه إلا بصعوبة”.
هؤلاء وغيرهم كثر من أهل العلم والدراية في الغرب، وقفوا أمام لغة الضاد” والدهشة تدخل بين أنفاسهم، وتنخر أدمغتهم، فهي لغة الإعجاز الأدبي والفكري والديني، وغير خافٍ على كل متتبع لمنابعها بكونها من أسمى اللغات في التاريخ العالمي، عدا عن كونها تحمل من صفات الجمال والرقة والعذوبة وما يعاكسها من صفات، ما يجعلها واحدة من أهم اللغات التي تم التعبير بها، سواء أدبيا أو فكريا وعلميا وفلسفيا، هذا عدا عن غيرها من الأسباب العميقة التي يدركها “السيد” عن تلك السيدة الأنيقة المرهفة، لكنه ذهب في كتابه نحو مواضيع متعوية في ظاهرها، لكنها تعمل فعليا على إعادة العلاقة البنيوية بين القارئ على حداثة سنه، وبين تلك اللغة التي جاء فيها من الأوصاف ما لا يحصى في كتاب.
أما السمات التي وردت في الكتاب آنف الذكر فهي: الخصائص الصوتية/سعة المفردات/الاشتقاق/ الإيجاز/الدقة في التعبير/ الإعراب/جمال الخط العربي.
ومن لطائفها: جمل تُقرأ من اليمين إلى اليسار وعلى نحو واحد/ جمل تُقرأ من اليمين بمعنى، ومن اليسار آخر/ بيت من الشعر لا يتحرك اللسان في قراءته كمثل: آب همي وهمَّ أحبابي، همهم ما بهم وهمي ما بي/ أبيات شعر تُقرأ أفقيا وعموديا.
أما من عجائبها فما ورد من خطبة الإمام علي بن أبي طالب “الخطبة غير المنقوطة”، وهي خطبة فيها من العجب العجاب ما فيها، فلا نقطة واحدة فيها وهي خطبة طويلة، عدا أيضا عن عجيبة أخرى من عجائبه في خطبته الشهيرة، الخطبة الخالية من حرف الألف، والذي يعتبر الأكثر شيوعا وورودا في الكلام، وذلك حدث بعد أن اجتمع العديد من أصحاب النبي العربي “محمد”، وتداولوا في هذا الشأن، واجمعوا على ما تم ذكره بما يخص حرف الألف، فما كان من “علي بن أبي طالب” إلا أن قام بارتجال خطبة كاملة خالية من حرف الألف مكونة من 700 كلمة، وورد فيها 2745 حرفا.
“من سمات اللغة العربية ولطائفها” كتاب صغير الحجم نسبيا، لكن في داخله ممالك من العلم اللطيف في بعض شؤون اللغة العربية، وهو كتاب يصح لأن يكون كتاب جيب أولا ولكل الأعمار، عدا عن كونه قادر على تزويد أي مختص يذهب نحو مبحث ما في هذه اللغة، بالكثير من الأفكار المهمة والغاية في الدقة والسهولة في إيصال المعلومة، وهو أي الكتاب، يستحق وبجدارة أن يقف بمهابة في مكتبة كل بيت.
تمّام علي بركات