أخبارصحيفة البعث

هزيمة أمريكية أخرى

 

لعل التأكيد الرسمي الذي تلا محادثات إدارة ترامب السرية مع اللجان الشعبية في اليمن إشارة واضحة على إدراك واشنطن بأن تدخّلها العسكري في هذا البلد أصبح عبئاً يجب الخروج منه. لقد حثت حكام آل سعود على التعاون مع اللجان الشعبية للوصول إلى تسوية سلمية، ما يؤكد أن الأمريكيين يريدون الخروج من هذا المأزق، ويبدو أن واشنطن تعتبر أن اللجان الشعبية، التي تضعها على قائمة “الإرهاب”، جديرة بالمفاوضات وتستحق الاهتمام.
تتبع الولايات المتحدة نمطاً موحداً في حروبها، فمبررات عدوانها حاضرة دائماً، إما  لمحاربة “الشيوعيين” أو “الإرهابيين” كما هو الحال في فيتنام وأفغانستان، ويحق لواشنطن فقط، بعد ارتكاب جرائم الحرب والدمار، التواصل مع “الأشرار السابقين”  لإجراء المحادثات من أجل إخراج الأمريكيين من الكوارث التي سببوها لأنفسهم.
وقد أكد ذلك مؤخراً مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر المحادثات مع اللجان الشعبية خلال زيارة لمملكة آل سعود، حيث قال: “إننا نركّز بشدة على محاولة إنهاء الحرب في اليمن، ونجري أيضاً محادثات مع اللجان الشعبية لمحاولة إيجاد حل تفاوضي مقبول من طرفي الصراع”. وفي الواقع، يثير قول الدبلوماسي الأمريكي “نحن نركّز على إنهاء الحرب” و “إيجاد حل مقبول للطرفين” الاستغراب، وكأن واشنطن وسيط نزيه يحاول إحلال السلام في بلد يعاني من أعمال العنف الغامض.
فعلياً، تعتبر الجرائم التي ارتكبت في اليمن على مدار السنوات الماضية بمثابة كارثة كبرى لما يقرب من 28 مليون يمني، كما تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن حوالي 80 في المئة من اليمنيين يعانون الجوع والمرض. كما حمّل تقرير الأمم المتحدة، الذي نُشر مؤخراً، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا مسؤولية التورط في جرائم حرب جسيمة من خلال تقديمها إمدادات غير محدودة من الطائرات الحربية، والذخيرة والدعم اللوجستي إلى الطائرات الحربية السعودية والإماراتية، التي قصفت المدنيين والبنية التحتية العامة بشكل عشوائي.
وعليه لم يعد بإمكان واشنطن إخفاء الظروف الإنسانية البائسة والتواطؤ في جرائم الحرب في اليمن، فقد فضحت الحرب الكارثية على اليمن البروباغاندا الأمريكية التي تدّعي أن واشنطن زعيمة العالم في الديمقراطية واحترام القانون.
و عندما يتحد الكونغرس الأمريكي في الدعوة إلى فرض حظر على الأسلحة الأمريكية للسعودية بسبب الأعمال الوحشية في اليمن، فإنه علينا أن نعرف أن واشنطن قد خسرت حرب العلاقات العامة، لكن حتى ترامب يجب أن يدرك أن حرب الإبادة الجماعية والتحريض عليها لم تعد مبررة حتى بالنسبة للمستهلكين الأكثر سذاجة للدعاية الأمريكية.
بعد خمس سنوات من الغارات الجوية الوحشية لا تزال اللجان الشعبية تسيطر على العاصمة صنعاء وعلى مساحات شاسعة من البلاد. ليس ذلك فحسب، بل بدأت اللجان الشعبية في نقل الحرب إلى قلب السعودية، واستهداف المنشآت النفطية التابعة للنظام السعودي، ولذلك تحاول واشنطن إيجاد حل، فالحرب بدأت تضرب المكان الأكثر حساسية لديها، ألا وهو النفط والحسابات البنكية والمصالح الضيّقة.
سمر السمارة