الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

لهفة تغتسل بالضياء

سلوى عباس

 

في لحظة من تألق الشوق ونبض الحنين كتب لها: ها أنا اللحظة مسكون بملامحك تملأ الدنيا حولي كالهواء، كحلم طويل مغزول بلآلئ الحنين.. أمد يدي إليك أشدك لأتون حبي، وأغلق عليك قلبي.. أراك دائماً في مرمى الشوق، كلما اتجهت إليك غادرتك، وكيفما التجأت إلى عينيك غابت عني يداك، تتبدين لي حزمة ضوء متألق في امتداد ساكن للظلمة، أحاول أن افتح شراييني له شركاً، وعلى حين غبطة ألمه فيّ، وأغلق كل منافذي، ثم أجعل من كل أجزائي له فضاء.. كيف أنسى ابتسامات تغيّر مسارات الشمس، وتوقف الأزمان، وتلغي الأمكنة، تهطل غيثاً في الصيف، وتولع الربيع في الشتاء..
<<<<<<
كلما احتدمت فيه أشواقه لجأ إلى رائحة الكتاب الذي تركت فيه بعضاً منها.. يكاد لا يقرأ فيه شيئاً حتى تأخذه الرائحة إليها، تشده بعيداً عن أريكته وعن ضجيج الناس والزوار وأناشيد الأطفال التي تتسرب من خلال النافذة، تأخذه إليها قرب البحر، تأخذه لشذى يديها، لصوت ضحكتها الشفيفة ترش على روحه مطرها الربيعي، تلك التي تنبع من الذرا الوردية للاشتياق، تأخذه لهمس صوت وثير مفعم بالحنان يملأ عليه في ذاكرته جواً من السكينة والغبطة، كما رشة ماء على التراب تنبت شيئاً من السلام حول الروح المتواثبة إليها رغم أثقالها وكل أقفاصها، عصفوراً من القلق والاستعجال موثوق إلى كرسي، عصفوراً من الرغبات والشوق مغلق الأماني، مسكوناً بالتحليق على شواطئها كنورس، مزروعاً كنبتة حبق على طرف بابها البعيد.
<<<<<<
عطرها الذي يشاركه أحلامه، ويرسمها ما عاد يفارق مسامه، تعشّق أجزاءه، فجمعها، وأورقت في قلبه ربوة من ياسمين عبّقت الدنيا وجمّلتها.. تتبدى له حزمة ضوء متألق في امتداد ساكن للظلمة، كوريقة خضراء أينعت مرة على غصن غابة من شوك ويباس.. سمكة ذهبية تلوي زرقة الماء الفسيح، وتنثر سناء التماعها البراق في بحر من الملح واليباب، كعصفورة من روح واختلاجات تحرّك سكون الهواء والأنحاء، وترسم بجناحها قوس المطر.. لا يستطيع أن ينسى صوتها الدافئ الذي ينضج أزاهيره..
<<<<<<
هكذا وفي كل مرة يتألق شوقها له، فتفتح نافذة القلب المفضية إليه، وترسل في سمائه اللازوردية يمامة من عشق وهوى، تحمّلها وجدياتها وأحلامها الندية، تطلقها في جناح من صفاء الروح وسجى اللوعة، تبتعد في فضائه الوسيع، لكن لا يعود منها إلا صدى من تمنّع يؤفل لهائب شوقها، ويذري الكلام على بلاط البرد، فتميل إلى شظاياه تلملمها في جعبة تتسع انكسارات المحبين كلهم، لكنها كما الفراش تعود دائماً لإحراق أجنحتها على وهج مصباح الألم باللقيا يدفعها الحنين إليه أن تكرر حماقاتها، فتسرج صهيل اللهفة والكلام، وتطلق لقلبها براريه الملونة بالأحلام، فيثب مندفعاً إليه غير آبه بالجبال والبحار وآداب الحديث، يتقافز مسكوناً بروعة الوصول وتألق الصعاب..
<<<<<<
التقاها ذات يوم وكان الحزن يغسل وجهها ضياء وألقاً، وها هو اليوم يغادر هذا الوجه ويبتعد، وهو يعلم يقيناً أنه يغتسل به في أعماقه.. تلك القصص ستحكي لها كم كان يعشق عينيها حين تومض عند الغروب، وسيبقى وجهها منارة ليله البعيد.