دعابة لافروف
د. عبد اللطيف عمران
بموقف بلاده الموضوعي والأخلاقي، وبقامته المديدة وخبرته وثباته، تحجز روسيا لها ولأصدقائها مواقع متقدمة في النظام العالمي الجديد الآخذ بالتشكل بهدوء وببطء.
وبثبات سورية الشعب والجيش ودولة المؤسسات والقوى الوطنية التقدمية والأصيلة، تتبعثر خطط المتآمرين لتضيع أشلاء بعد أن عاثت خراباً وإجراماً لتحقيق أحلام هدّامة لقوى الامبريالية والرجعية وحلفائها، ماتلبث هذه الأحلام إلاّ أن تتقوّض وتنهض البلاد من جديد لترمّم الجراح وتتعالى عليها.
فسورية قادرة على الصمود والانتصار دائماً، ففي أواخر الثمانينيات ونتيجة العقوبات والحصار لم يبق في البلاد قمح ولا دولار ولا خضار ولا زيوت..، وخلال سنتين استطاع الشعب بحكمته وتلاحمه مع قيادته أن يحقق مخزوناً استراتيجياً في القمح والخضار والعملة الصعبة.
وسورية الحضارة والتاريخ الأغر ستبقى دائماً محط آمال الشعب والأمة عنصراً أساسياً لا غنى عنه في المشروع القومي العربي الذي لا يندحر، وإن تعثّر، وكذلك في الاستقرار والتعاون الإقليمي والدولي.
ولهذا يستند موقف لافروف الى قوة وخبرة القيادة السياسية في سورية، مامكّنه من تفنيد أباطيل الخصوم الذين باتوا على اضطراب من أمرهم يتلمسون حججاً واهية نفاقاً وتزويراً، فانتقل معهم الى الدعابة على الأقل إن لم نقل السخرية مختصراً ذلك بأنه «محاولة سيئة النيّة لخداع الناس الجديين»، وهو في لقاء وزير خارجية ألمانيا يختزل المواجهة مع السياسة الأطلسية والرجعية العربية تجاه الأزمة التي نعيش فيقول: لقد اعتقدنا أنها دعابة، ورددنا عليها بدعابة.
والواقع فقد دخل ساسة الأطلسي ودُماهم في نفق مفعم بالسخرية والكذب. فالحكومة التركية أثبتت للعالم أنها تتبنى في عدة مواقف روايات كاذبة ولاسيما بشأن تنسيقها مع قطر والسعودية لتعزيز الديمقراطية؟! وكذلك شأنها في سقوط الطائرة التركية. وكاميرون ينقل عن الرئيس بوتين مالم يقله فينهض لافروف لتكذيبه، والسيدة كلينتون ومعها فابيوس يكذبان في تأويلهما البيان الختامي لمجموعة العمل في جنيف فيوضح الرجل ضلالة هذا التأويل غير الأمين.
وكلينتون تستمر في انفعالاتها وتهديداتها في أمور سياسية دولية كبرى وبشكل غير معهود عنها حين كانت بمنتهى الهدوء في معالجة أزمة شخصية وعائلية معالجة مكّنتها من استحواذ إعجاب الشعب الأمريكي وقادتها الى الفوز في الانتخابات. وبالمحصلة فإن أمثال هؤلاء مضافاً إليهم مشهد الركلات والشتائم في اجتماع المعارضة الأخير في القاهرة، هذا كله لايمكن الرهان عليه لحل أزمات وطنية أو إقليمية أو دولية.
والدعابة لفظ مؤدّب لسياسات وأفعال مخاتلة ومجرمة عند بعض اللاعبين الإقليميين الذين يظنون أنهم مهرة قادرون على التضليل والكذب على الشعوب على نحو مانشهده من الموقف الأمريكي الأخير بشأن أفغانستان الذي سيزيد الوضع الإقليمي المعقد هناك إرباكاً وتأزيماً.
وكذلك الأمر فيما تم تسريبه عن تصويت تركيا مؤخراً الى جانب اسرائيل والولايات المتحدة لمنع دخول فلسطين منظمة الأمن والتعاون ماعدّته اسرائيل دليل حسن نية ورغبة تركية صادقة، في حين صوتت النروج مثلاً الى جانب فلسطين.
وإذا أضفنا هنا بهلوانيات ونفاق وزيري خارجية قطر والسعودية، وأخيراً الموقف الغاضب للسياسي المخضرم وزير خارجية الإمارات وهو ينتقد عنان عرفنا عندئذ فساد الطبخة الأطلسية الرجعية التي تراهن على خليط من المتطرفين والقاعدة والخارجين على القانون في سورية رهاناً يرفض معه ممثلو هذا الخليط الحوار إلا بشروط مسبقة، وهم لايملكون على الأرض إلا الاستقواء بالعمل الإجرامي.
إنها لدعابة على الأقل أن يظن المخربون أن لهم فرصة في الحل السياسي، لأن الحوار إذا كان خياراً استراتيجياً كما أكد الرئيس الأسد فإنه إذا لم يؤد الى نتيجة فلابد من الاستمرار في مكافحة الإرهاب.
فقد صار الجميع يدرك أن المطلوب من الأزمة في سورية ليس أن تنتهي الى استقرار وحوار وبناء دولة وطنية فاعلة إقليمياً وعربياً، بل المطلوب تخريب الدولة وتقويض دورها التاريخي والمستقبلي، وهذا مايدركه بدقة الأحرار في كل مكان، وهو أمر مستحيل التحقق.
وشعب سورية والشعب العربي معه يقرأ التاريخ جيداً ويعرف أن مافرضه المشهد الاحتجاجي العربي، من ذهنية انفعالية وصلت في بعض الأحيان الى سيادة غريزة القطيع، لن يؤدي الى نسيان أن أصدقاء أمريكا واسرائيل لن يكونوا أبداً أصدقاء سورية وقضية فلسطين، ولذلك يكون مايراه بعض المعارضة وحكام الخليج من أن «خطة عنان هي تلبية لمطالب روسية وصينية لن تمر إلا على جثث السوريين» مؤشر بؤس وفتنة وتآمر، سرعان مايجهز عليه وعي الشعب السوري وتلاحم قواه الوطنية.
والحقيقة إنها لدعابة حقاً أن يظن المتآمرون على قضايانا الوطنية والعربية أن سورية الشعب والدولة يمكن ألا تنتصر في هكذا مواجهة.