البعث ضمانة التحولات
د. عبد اللطيف عمران
يأتي العيد الرابع والستون لميلاد البعث في ظروف استثنائية تعيشها سورية والمنطقة تمثلت بمظاهر جديدة ومتسارعة يقف خلالها الحزب، وكافة القوى السياسية والأحزاب والمنظمات ومؤسسات المجتمع الأهلي والمدني أمام أجيال جديدة نجحت في تجاوز التشكيل الاجتماعي والسياسي والإداري التقليدي، وساعد على نجاحها تراجع جيل الشباب عن الرغبة في العمل السياسي المنظّم اعتماداً على الأساليب الحزبية التقليدية، مع ميل هذه الأجيال الى تشكيل قوى هي أداة ضغط، وتغيير، ومراقبة الأداء الإداري والاقتصادي والسياسي، على غير ما كان معهوداً في ماضي الواقع العربي من اعتماد التغيير على القوى السياسية المنظّمة.
ومن الواضح اليوم الأثر السلبي في الواقع العربي للابتعاد عن التنظيم والحوار وأشكال التعبير السلمية، فالجنوح نحو الاعتصامات والعنف سيؤخّر الوصول الى مرحلة الاستقرار التي تحتاج إليها شعوب المنطقة، هذا الاستقرار المحكوم في أغلب الأحيان بأثر العامل الخارجي، دون إهمال العامل الداخلي، إضافة الى استمرار مخاطر المشروع الصهيوني.
وقد ساعد على تشعّب هذه التغييرات، وتشتّت رؤيتها تنوّع أثر وسائل الإعلام الحديثة في تشكيل الوعي الراهن، وكذلك تباين روافد استنهاض الحركات الشعبية في فورة سريعة تنطلق من قلق مشروع، ضاعف من حدّته ثورة الاتصالات، والانفتاح على تجارب الشعوب، مع انهيار الإيديولوجيات، وتقدّم العولمة، وتزايد الوعي، ما يفرض على حزب البعث واقعاً جديداً يتطلب رؤية جديدة، وأساليب عمل مغايرة وحديثة.
فقد مضى زمن ساد فيه السكون في أدبيات الحزب الأساسية، على الرغم من استمرار الرؤية الحوارية النقدية بين كوادره ومؤسساته في العقد الأخير، واقتران هذا بديناميكية أداء الحزب، وتقدم العمل الحزبي على النظرية، إلّا أن الحاجة اليوم ملحّة نحو تحولات أساسية في النظرية والممارسة والتنظيم، ومن المعروف أن بعضاً من هذا أُنجز في السنوات الأخيرة، لكن الواقع اليوم سيفرض جديداً، وسيكون الحزب بمشروعه العروبي والإنساني الأصيل، قادراً على التعامل بإيجابية وبموضوعية مع هذا الواقع، انطلاقاً من أن الحزب لم ينقطع يوماً عن الاهتمام المباشر بهموم الشعب وبقضايا الوطن والأمة، اهتمام لم تستطع القوى الأخرى أن تحظى بإجماع شعبي متجاوز أو مشابه لدوره ورسالته.
وتمكّن البعث عبر تاريخه من النجاح أمام مضطرب التغيّرات، لأنه في الأساس حزب جماهيري يهدف الى بناء مجتمع وطني عروبي وحدوي متقدم، قبل أن يهدف الى امتلاك السلطة، يهدف الى أن يكون قائداً قبل أن يكون حاكماً، لأن للحكم أو للسلطة آثاراً سلبية على نظرية وعمل أي حزب، وهذا واضح بموضوعية في تاريخ البعث.
وما يثار الآن مثلاً من طروحات حول المادة الثامنة في الدستور يستحق الإشارة، لأن الدستور الذي أقرّه مجلس الشعب في 31/1/1973، تم الاستفتاء الشعبي عليه في 12/3/1973، وهذا كان تالياً لتوقيع الأحزاب الوطنية التقدمية على ميثاق الجبهة في 7/3/1972، فنصّت المادة على أن الحزب «قائد في المجتمع والدولة من خلال جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية»، وقد سُبقت هذه المادة بالمادة /3/: الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع.
فلا نص، ولا عمل، على أساس الحزب الواحد، أو على الحزب الحاكم، إنه البعث الذي التحم مع الشعب دائماً، والذي مكّن سورية من الثبات في توجهاتها الوطنية والقومية وأداء دورها المشهود في زمن عربي صعب، والذي سيمكّنها بمساندة كافة القوى الوطنية من تعميق الوعي الشعبي لوأد الفتنة الراهنة، لأنه دائماً يعمل على تعزيز الوحدة الوطنية، وعلى توسيع دائرة المشاركة في اتخاذ القرار من خلال مؤسسات ديمقراطية عديدة كان لجماهير الحزب الفضل في تمكينها، وسيبقى البعث ضمانة لتحقيق مصالح الشعب، والدفاع عن ثوابت الأمة بفضل خبرته وموضوعيته في معالجة الأزمات والتحديات، وقدرته على التطوير والتغيير، وعلى المراجعة والحديث عن السلبيات الذي من الخطأ أن يتحمل مسؤوليتها وحده، ويؤكد هذا تماسك جماهير الشعب والحزب خلف القائد المناضل الرئيس بشار الأسد الذي تمكّنت معه سورية من تجنّب الآثار السلبية لأحداث صعبة عاشتها المنطقة في العقد الأخير، وستتمكن من النجاح في التعامل مع التحولات الكبرى والهامة التي ذكرها في كلمته مؤخراً أمام مجلس الشعب.