تحتاج إلى دروس إضافية المناهج التربوية.. أعباء ضاغطة على الواقع التعليمي واستنزاف لإمكانيات الأهالي
مشهد الطلاب وهم يتوجهون إلى مدارسهم كل صباح أمر مريح ومطمئن واعتيادي يتكرر مع بداية كل يوم دراسي، لكن المشهد غير المألوف والمثير للقلق هو توجه الطلاب بعد ساعات الظهيرة لتلقي الدروس، أو كتابة الواجبات المدرسية فيما تسمى معاهد المتابعة، وهنا السؤال: ماذا يفعل أولادنا في المدرسة أثناء دوامهم الصباحي؟ ولماذا كل هذا الضغط الحاصل عليهم؟ وهل يحتاج المنهاج الدراسي لكل هذه الساعات الطويلة لاستيعابه وفهمه؟ وهل أصبح المعلم عاجزاً عن تقديم المعلومة كاملة بالطريقة التي يجب أن تقدم للطلاب؟.. تساؤلات كثيرة يطرحها المختصون والأهالي على حد سواء عن مصير الواقع التعليمي في سورية، وما الذي ينتظره.
عبء وضغط
معظم الأهالي، على الرغم من عدم اقتناعهم بالجدوى التي قد يجنيها الطالب من هذه الدروس الإضافية، لا يمتلكون القدرة على رفض طلب أبنائهم بالالتحاق بهذه الدروس، لأنها أصبحت الملاذ الوحيد، والحجة الحاضرة لدى الطلاب الذين يتحجج الكثير منهم بعدم الفهم من الأستاذ في المدرسة، سلام، أم لطفلين في مرحلة التعليم الأساسي، تقول: التعليم في سورية مجاني، هذا أحد أهم الإنجازات التي تقدمها الدولة لمواطنيها، ولكن اليوم إذا تأملنا المشهد التعليمي سنرى أن هذا الأمر أصبح غير دقيق تماماً، فالتعليم يأخذ بشكل غير مباشر منحى آخر، ويبتعد بشكل ملحوظ عن الوضع الذي كان يتمتع به، وعن الموضوعية التي كانت تميزه، فاليوم أصبح الأهالي يعانون معاناة كبيرة جداً لتوفير القرطاسية، واللباس المدرسي، إضافة إلى ضرورة تأمين وسيلة نقل توصل الأولاد لمدارسهم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تأتيك الدروس الخصوصية التي أصبحت حاجة ملحة بسبب معاناتنا نحن الأهالي، وعدم قدرتنا على مساعدة أولادنا بكتابة واجباتهم لصعوبة المنهاج الجديد، مضيفة: إذا كان المعلم نفسه لا يستطيع إيصال فكرته لطلابه بالشكل المطلوب، فكيف سنتمكن نحن من إيصالها؟ الاستنزاف المادي والجسدي والنفسي الذي نعاني منه نحن وأولادنا وصل إلى حد لا يمكن تحمّله.
تنظيم الأسرة
الدكتور في كلية التربية، جامعة حلب، حليم أسمر يرى أن هناك ثلاثة أمور هامة تتعلق بهذا الموضوع: أولها الطالب، ثم المعلم، وأخيراً الكتاب، فوجودنا في خضم حرب منذ أكثر من تسع سنوات لا يبرر أي تهاون، أو تقصير بالعملية التربوية، لأن التربية يجب أن تبقى الأساس، خاصة بين حدي العملية التربوية: الأسرة، والمدرسة، إضافة إلى البيئة الصفية التي تعكس العلاقة بين المعلم والطالب، والأمر الحاصل هو عدم القدرة على ضبط آلية العمل في البيئة الصفية بسبب الازدحام الصفي الذي له عدة أسباب، أولها وأهمها عدم مقاربة تنظيم الأسرة السورية بشكل واضح، والضرر الكبير الذي لحق بالمدارس، والذي أدى لتجميع الطلاب بعدد مدارس أقل من أيام ما قبل الحرب، والبيئة الصفية هي ما يجب التأكيد عليه لتكون آمنة ومحفزة للإبداع والحياة، ومن الضروري جداً العمل على هذا الأمر بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، والجهات المعنية لضبط وتنظيم الأسرة السورية، وفي حال تم هذا الأمر سأكون متأكداً من أنني في حال وضع منهاج حسب الطرق والفنيات المعاصرة في العالم سأتمكن من التدريس بموجب هذه الطرق والفنيات، لأننا، ومع وجود ازدحام، حتى لو وضعنا مناهج العالم كلها لن نتمكن من تطبيقها، وهنا سأخسر جانبين: الجانب المادي الكبير والمبالغ التي تصرف على تغيير المناهج وطباعتها أو تطويرها، والعملية التربوية من جهة أخرى.
سياسات غير مجدية!
الدكتور في علم الاجتماع إبراهيم ملحم، عضو الهيئة التدريسية في جامعة البعث، يرى أن كثرة الضغط على الطالب أحد أهم الأسباب التي تؤدي إلى التسرب المدرسي بسبب عدة اعتبارات، أولها عدم تأقلم الطالب مع المنهاج، ما يؤدي لحالة من الملل والاكتئاب، والنقطة الأخرى أنه كان يتوجب على وزارة التربية قبل أن تطرح أي منهاج أن تعد المعلمين إعداداً كاملاً لتدريس المنهاج بالطرق السليمة حتى لا يكون العبء عليهم كبيراً، وهنا نلاحظ التخبط الكبير في سياسات التعليم لدينا، كان يتوجب على الوزارة أن تضع منهاجاً يتناسب مع احتياجات طلابنا، لأن المنهاج المعتمد يحتاج إلى دول تعيش حالة استقرار اقتصادي، وساعات تدريس كافية، ومدارس مهيأة، فيها مخابر التعليم المصغر، وورش التعليم التعاوني، وتحتوي عدة طرق للتعليم غير التعليم التقليدي الذي كنا نتبعه، لذلك كان من المفترض إعادة سياسة التعليم، وإعداد المعلم، ومن ثم تهيئة الطالب وليس العكس، ونضع جيلاً بأكمله تحت التجربة، وإذا لم ننجح نضع منهاجاً آخر، لأننا بهذه الطريقة نخسر الطالب، ولا نتمكن من تأسيسه، ومن وجهة نظر ملحم أن هذه المناهج معقدة وليست مطورة، حيث كان من المفترض تهيئة التلاميذ منذ مرحلة رياض الأطفال، وتوحيد المناهج داخلها، وإلزامها بذلك، وهنا يجب أن نستشعر الخطر، ليس فقط في التعليم، بل بالتربية، لأننا نخسر الصحة النفسية والجسدية للطفل، فمثلاً تلميذ في الصف الأول لديه أكثر من تسعة كتب سيحملهم في حقيبته المدرسية، ما سيعرّضه حتماً لتشوهات في عموده الفقري، أما فيما يخص بعض المعلمين، خاصة ممن يتخرجون في كليات التربية، يقول ملحم: الكثير منهم لا يملك أية طرائق تدريسية، ونلاحظ تخبطهم حتى على صعيد إتقانهم للغة العربية التي سألت إحداهن عن جمع فيل فكان جوابها “فيول”، إضافة إلى عدم إلمامهم بالمسائل الرياضية والفيزيائية البسيطة جداً، وهنا نحصد اليوم نتيجة وصول عدد منهم للجامعة، رغم عدم استحقاقه بسبب حالة الفوضى التي كانت تسود الامتحانات الثانوية خلال سنوات الحرب الأولى، ومن الضروري أيضاً اختيار فريق من ذوي الخبرات لتطوير المناهج، وهنا أشار الدكتور ملحم إلى أمر مهم وهو أن كليات التربية كانت بديلاً عما كان يسمى معهد إعداد المدرّسين، وبرأيه كانت أنفع وأجدى تعليماً لأنها كانت تعتمد بنسبة 80 بالمئة منها على الاستاجات، أو الدروس المطبقة، اليوم في كليات التربية أربع سنوات، وسنة دبلوم من حيث الكفاءة والتدريب والتأهيل لا تعادل سنة واحدة من السياسة السابقة التي كانت معتمدة، والتي كانت أكثر فاعلية.
جيل عاصر الحرب
لا شك أن جيل الأطفال الذي عاصر الحرب التي عانينا منها لديه احتياجات خاصة بسبب نشأته في بيئة غير طبيعية، وبوضع نفسي سيىء، وبالتالي يحتاج للاستقرار النفسي والعاطفي، وهذا ما كان يجب أن تسلّط الضوء عليه وزارة التربية في مناهجها الحالية، حسب رأي الدكتور ملحم الذي يرى أن الكثير من الأطفال أصبحوا بلا آباء، لذلك كان من الأولى أن تأخذ هذه المناهج بعين الاعتبار احتياجات الطفل النفسية والاجتماعية بعد تسع سنوات من الحرب، حيث لم تراع مع كل أسف هذه النقطة، اليوم لدينا جيل كامل من دون آباء، جيل كامل لأبناء مفقودين، وشهداء، وجرحى حرب، هذا الجيل يحتاج لكي يكون بعيداً كل البعد عن سياسة التعليم تحت الضغط.
التقليل من أهمية المدرسة!
يرى الدكتور حليم أسمر أنه بسبب الازدحام الصفي تحولت المدرسة إلى مكان للإيواء، إلى سجن، على عكس ما يجب أن تكون عليه، فالمدرسة هي بيئة مؤسسة للحياة، والإبداع، والتربية، وهنا لا يمكننا إنكار المشاكل التي نتجت بسبب الحرب، ولكن مع ذلك يجب أن نعمل بشكل جدي على تخليص الطلاب من هذه المشاكل التي علقت في أذهانهم كالانقطاع عن المدرسة، وما اكتسبه الطلاب من أفكار بسبب البيئات الغريبة عن الواقع السوري، إضافة لأفكار الإرهاب، وإقصاء الآخر، وهنا نحتاج إلى منهاج بديل مؤقت لنرمم ما خسره الطلاب في زمن الحرب، وهذا ما عملت عليه الوزارة منذ فترة، ويضيف الدكتور أسمر بأن العلاقة جدلية بين وزارة التربية والتعليم، لأن مخرجات التعليم الثانوي ستكون مدخلات للتعليم الجامعي، وبالتالي مخرجات التعليم العالي الجامعي ستتجه إلى الجهات المستفيدة من هذا التعليم بالقطاعات المتعددة، والوزارات المتنوعة، لذلك لابد من إعادة النظر بهذه المنظومة، ووضعها بمكانها الصحيح من خلال المناهج والفنيات، وعلينا أن نتحلى بالواقعية، وأن نعترف بالكثير من الخلل الموجود حتى نصحح الخطأ، فاستشراف المستقبل التربوي السوري حتى 2030 يجب أن يتم بهدوء، وبطريقة موضوعية وعقلانية، وهناك أمر مهم جداً أيضاً هو أننا لا نستطيع أن نفصل سورية عن الوضع الدولي، ونحن كبلدان عالم ثالث نتوجه أكثر إلى الاستهلاك، ولذلك ما نطلبه هو مناهج تعبّر عن تنوع طبيعة المجتمع السوري حتى يتمكن الجميع من رؤية نفسه في هذه المناهج التي تعبّر عن تاريخ الشعب السوري، بالتقاطع مع الشعوب العربية وشعوب العالم.
تعليم متواصل
لا يوجد طفل يتحمّل تسع ساعات أو أكثر من التعليم المتواصل على مدار النهار، وهنا نلاحظ التخبط الحاصل في وزارة التربية لجهة تغير المناهج كل سنة، ألم يكن الأجدى أن يقوم مركز البحوث الموجود في الوزارة بإجراء تجارب خاصة وتطبيقها في مدارس بعينها، وبناء عليه يغير المنهاج، وليس كما يحصل اليوم، لأننا ندمر أجيالاً كاملة عوضاً عن تأسيسها، خاصة أننا نعوّل على هذه الأجيال لإعادة إعمار سورية الغد.
لينا عدرة