بين الدهشة والسرد.. يعلو صوت الشعر في “ركاب الزوارق الورقية”
“ركاب الزوارق الورقية” إنه العنوان الذي يفتح ألف باب للتخيل ورسم الصورة التي رمت إليها الشاعرة من خلال حضور الإنسان على متن الورق، ونقل صورة السفر والغربة التي عايشتها الشاعرة عبير سليمان وقد وزعت المجموعة على أربعة أقسام أو جولات كما سمتها في مقاربة فلسفية، ولكن وفق ترتيبها الخاص فهي تبدأ بـ”جولة اليقين”، “جولة الشك”، “جولة الخوف”، “جولة اللامبالاة”، هذا التوزيع يطرح سؤالاً هل نحن أمام حالة هدم وبناء فكري فلسفي؟
تأتي نصوص المجموعة لتأخذ القارئ نحو مدارات شتى من خلال تنوع مواضيعها ضمن الجولة الواحدة، فنجد الحب الوجداني والواقعي الذي يصور حالة البلاد والناس وما فعلته بهما الحرب، ونقرأ ذلك من الصفحة الأولى حيث تهدي مجموعتها “إلى أجمل شعب غريق في العالم” ذاهبة نحو شرح عبارتها في الصفحة التالية لتنقل لنا في مقطع شعري ما رمت إليه “كانت وجوهنا المذعورة/ رياحاً تدفعهم أبعد/ فيما منظر أجسامهم المبللة يبقينا في البلاد”.
تحاول الشاعرة محاصرة الواقع وزجه في إطار الصورة الشعرية لتتغلب على قبحه وخوفها، ناسجة من مفرداتها البسيطة واليومية قصيدة تقوم فيها الدهشة في خاتمة النص على ستر عورة السرد الذي قد يطول في بعض النصوص على حساب الفكرة تقول في نصها “العري”:
“سأغني لنساء الشرق وهن ينظفن أدران التاريخ/ سأغني لرجال الشرق وهم يمزقون الهويات ويعيدون لصقها/ يمزقون عباءة التاريخ ويعيدون ترقيعها/ يمزقون الوثائق التي تدل على أعمارهم/ويعودون/إلى/حبيباتهم/أطفالاً..”.
وأمام النصوص الطويلة تتفوق النصوص القصيرة ذات النفحات الوجدانية الصوفية التي تنقل آلام ومخاضات احتبست في رحم اللغة لتولد قصائد شائكة برمزيتها جاعلة من مفردات الطبيعة حقلاً أوغلت في استخدامه ومقاربته مع الراهن والمعاش مشكلة قصيدتها طولياً بأسطر قصيرة ومن نصها “عوسج”: حين يجافيك الفَراش/لا تشتكِ/ انزع شوكة عن غصنك./ حين يجافيك النحل/ لا تشتكِ/ انزع شوكة أخرى عن غصنك./ حين تجافيك الأيدي/ لا تشتكِ/ انزع شوكة أخيرة عن غصنك/ واشرب نخب الآخرين أيها العوسج/ فقد كسرت عظامك لأجل أن ترضيهم./
وفي موضوع الحب تكتب الشاعرة عبير سليمان بجرأة المرأة وقوتها لا بضعفها واستعطافها للآخر إنها المرأة التي تجيد ترويض الألم وإيداعه خيالها، والتعامل مع الرجل الخائن بزجه في لوحة النسيان والتجاهل لنقرأها بعد ذلك في ذات النص تذهب نحو الذات والبلاد وكأنما تريد إفراغ أعباءها في ذلك الفضاء إذ يتفوق الألم العام على الخاص كما في نص “لم يبق شيء إلا الرياح..”: “رسمتْ في اللوحة رجلاً تحبه كي تنسى وتضحك وتصالح مرآتها/ ماذا تفعل إذا أراد حبيبها المرسوم مغادرة اللوحة؟/ وأين تذهب إذا أحب الرجل جارتها التي/ بيسر تنسى وتضحك وتتمرأى/ دون أن تحتاج للرسم؟”.
لا تتوقف عبير سليمان عن انتقاد الواقع والتبعية العمياء في ابتكارات جديدة وإيحاءات تطلب من خلالها بشكل ضمني كسر هذا الانقياد والجموح نحو البحث والشك والتفكير وهذا ما يمكن أن نقرأه في نصها “الجرار المقدسة”: “قدسنا الجرار/ لمّعنا استدارتها بالمسك والأغاني/ وحملناها على أكتافنا/…جيل إثر جيل/ وسلالاتنا وفية/ لم نقصد ينابيع الفكرة/ لم نشرب!/ وها نحن/ إذ أرهقتنا أوزانها الثقيلة:/ دلقنا الماء على العتبة/ واستغفرنا/ الجرار..”.
نقرأ في المجموعة الكثير من العناوين المميزة التي تحمل الكثير من المفارقات والدلالات منها: “نوارس البحر الميت”،”الشعر دليلي الأعمى”، شوك الهواجس”، “ألحان يابسة”، “الخراب البديع”.
” ركاب الزوارق الورقية” المجموعة الرابعة للشاعرة عبير سليمان والصادرة عن دار بعل 2019.
خضر مجر