استراتيجية متوازنة تضمن التنمية
ترجمة وإعداد: عائدة أسعد
منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949 اكتسبت البلاد خبرة تاريخية كبيرة في المجال السياسي والتنمية وكانت تدور المهمة الرئيسية لقوتها السياسية دائماً حول شعبها وخلال الأعوام السبعين لعمر الصين، والأربعين سنة الماضية في الانفتاح والإصلاح، شرعت الصين في طريق الاشتراكية وتجلت النقطة الأساسية الهامة في مسيرة بناء الاشتراكية ذات الخصائص البراغماتية بالاعتماد على قدرات الجماهير ومبادراتها .
تتمتع الصين بقوة عسكرية هائلة فقد طوّر جيش التحرير الشعبي الصيني قدراته بسرعة فائقة متسبّبا في تغيير ميزان القوى في آسيا لصالحه. وحسب تقديرات المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية, منذ عام 2014 أطلقت القوات البحرية التابعة لجيش التحرير الشعبي عدداً من الغواصات والسفن الحربية وسفن الحرب البرمائية وفرق الإِغاثة العسكريَّة يفوق العدد الإجمالي للسفن التي تخدم حالياً في القوات البحرية لكل من ألمانيا، والهند، وإسبانيا، وتايوان، والمملكة المتحدة، كما يفوق برنامجها لبناء السفن نظيره في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى أنّ الصين تنفق مبالغ طائلة على التقنيات المتطورة مثل الذكاء الاصطناعي والطائرات الأسرع من الصوت والروبوتات ما قد يُرجّح كفة أي حرب لصالحها .
وبقيت الصين تسير في النهج الصحيح على الرغم من الضغوط الخارجية والإغراءات وتعاملت بحكمة مع القوى الخارجية المعادية وبنت نظاماً اقتصادياً اشتراكياً منفتحاً للغاية ونجحت في تحقيق التوازن بين المقاربات السياسية والاقتصادية المتعددة .
وبالازدهار الحاصل في أوائل الألفية الثانية تبدو الصين صاعدة بلا هوادة متفاخرة بوجود قوة عاملة ضخمة واستثمارات برأسمال كبير ومؤسسات عملاقة مملوكة للدولة تجوب الأرض بحثاً عن الموارد وتفتح الأسواق الغربية بالسلع الصينية.
يخطئ الغرب في قراءة مسار التنمية والنهضة في الصين وينتقدها ويشوهها ويضغط بشدة لتغيير العملية السياسية فيها، وتشعر بعض القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة بعدم الارتياح لمواجهة نهضة الصين الاشتراكية، وزادت الحرب التجارية القائمة ضدها بوصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للبيت الأبيض من حدة القلق من الصراع الصيني-الأمريكي واحتمالات تحوله لمواجهة مسلحة كما أن كبار المسؤولين في الإدارة والبنتاغون يعتبرون الصين الخطر الأبرز على الهيمنة الأمريكية.
ويعتقد البعض أن هزيمة الصين سياسياً هي الطريقة الأكثر شمولاً والأفضل لاستراتيجية القرن الحادي والعشرين وتحقيق النصر للولايات المتحدة ولذلك تم شن هجمات عديدة ضد الصين بوعي أو بدون وعي في محاولة لإركاع الصين وليّ ذراعها . ومن أجل رفع مستوى تطورها الاقتصادي والاجتماعي ليفوق مستوى نهضة الصين، سارعت تلك القوى باستخدام المصالح الاستراتيجية وإطلاق تلك الهجمات الإيديولوجية بشكل رئيسي .
كانت حرب الولايات المتحدة التجارية الجبهة الجديدة لممارسة الضغط على الصين، وبغض النظر عن النزاعات الحقيقية حول مصالح الحرب التجارية أو الحيل الأمريكية للضغط على الصين بشكل استراتيجي فإن التأثير الجماعي زاد من الضغط على الصين. ولكن حتى لو كانت جمهورية الصين الشعبية ذات السبعين عاماً في أقوى حالاتها فهي تواجه أشد أنواع التحديات ويتعين عليها مقاومة الضغوط التي يمارسها عليها الغرب وخاصة الولايات المتحدة وعليها أن تكون على أهبة الاستعداد لمواجهة صراع طويل الأمد ويجب أن تكون قادرة على إدارة الخلافات والصراعات القديمة العهد مع تلك القوى .
ويقول محللون سياسيون أنه يتوجب على الصين مواجهة الصراعات وعدم معارضة كل ما يدعو له الغرب، وبدلاً من الصراع مع تلك القوى الخارجية عليها التركيز بشكل مباشر على تنميتها الشاملة والحفاظ على التوازن وذلك هو الاختبار الحقيقي للمجتمع الصيني وقد يكون عدم تضليل الغرب هو سر الحفاظ على ذلك التوازن وهو الشرط المسبق للتنمية السليمة في الصين، وإضافة إلى ذلك تحتاج جمهورية الصين الشعبية إلى تحفيز المجتمع الصيني بثقة تامة والتأكد أنه لن يتأثر بمقاومة التسلل الغربي لأن زخم العملية التنموية فيها ما يزال قوياً كما هو في الدول الغربية .
لقد مرت الصين بتحولات ومنعطفات في العقود السبعة الماضية ومع ذلك ظلت متمسكة بأعلى طرق التنمية والتطور وبعمليات الإصلاح والانفتاح ولم تقدم أية تنازلات بعيدة عن مبادئها، كما أنها لم تقم بهجمات مضادة متهورة لمواجهة الضغوط الاستراتيجية الضخمة التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية .
الصين بحاجة ماسة لديناميات مستمرة داخل مجتمعاتها للتشجيع على التطوير والتحديث وكلما كانت أقوى كلما قللت من أعداد أعدائها الحقيقيين لأن خصومها المحتملين سيتخذون خيارات أكثر واقعية.
تواجه الصين تحديات غير مسبوقة لكنها في أفضل أوقاتها وهي أكثر قدرة على معالجة مشاكلها الداخلية والخارجية وتحويل جميع العوامل المختلفة باتجاه التقدم والتطور .
إن تجربة الصين تستحق ثقة الشعب بنظامها فقد استفادت من تجارب البلدان المتقدمة في الغرب وتبنت آلية ذات قوة سياسية تركز على تحسين المستوى المعيشي اجتماعياً في بيئة سياسية مستقرة وذلك من خلال تعزيز الإنتاج والحفاظ على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتنموية .