اقتصادصحيفة البعث

إثر سقوط “الضمير” في امتحان الأسعار.. لجنة رسم السياسات والبرامج الاقتصادية على محك الرد على الأهم من مسودة “مشروع تنظيم أسواق الهال”!!

“تفعيل دورها كأداة تساعد على استدامة وجود المواد الأساسية في الأسواق المحلية بالجودة والأسعار المناسبة، وضمان تسويق المنتجات الزراعية بيسر وسلاسة، وتسهيل مهمة المنتجين والمستهلكين على حد سواء وغيرها من المواضيع ذات الشأن التي تخدم هذه القضية.. “هذا ما ناقشته لجنة رسم السياسات والبرامج الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء، في المسودة الأولية لمشروع تنظيم أسواق الهال بالمحافظات مؤخراً..”، لكن السؤال الأهم في هذا المضمار هو: هل ناقشت اللجنة قبل ذلك، قضية الأسعار وكيفية حسابات التسعير والسعر للسلع والمنتجات، وفق علم الاقتصاد الحديث ومعادلاته..؟!
نترك الرد.. إن كان هناك من يستطيعه من خبراء اللجنة، لنعرض في هذه المقال كيفية دراسة السعر “إكتوارياً” استناداً لأمرين اثنين: أولهما: أن لكل سلعة قيمتين؛ مادية واقتصادية (سعر السلعة والذي هو عبارة عن القيمة المادية مضافاً إليها القيمة الاقتصادية)، وثانيهما: العرض والطلب، لنصل إلى ما نهدف إليه في هذه المادة، وهو: مدى تطابق السعر مع القيمة الحقيقية للسلعة، وبالتالي بيان أهمية هذه القضية في تحديد نمط وتوزيع الدخل القومي، دون أن تتعرض فئة لظلم فئة أخرى (حقها يذهب لغيرها)، كما هو حاصل حالياً..!؟

توضيحاً للمفهوم
بداية وللتوضيح لمفهوم القيمتين (المادية والاقتصادية)، نمثل بالآتي: يعد الماء هاماً جداً وذا منفعة عظيمة، وهو يلبي حاجة إنسانية ملحة، لكونه مادة لها قيمة مادية بخواص فيزيائية وكيميائية كغيره من المواد المعروفة، وتتحدد قيمتها وفقاً للندرة كمورد، فضلاً عن مقدار النفع والفائدة الذي يعرف بالقيمة الاقتصادية، وعليه فإن مقدار النفع والفائدة للماء يتوقف على مدى تلبيته لرغبة الإنسان وحاجته، ومن هنا كانت السلعة عبارة عن القيمة المادية مضافاً إليها القيمة الاقتصادية.
وهنا يجب التفرقة بين الثمن والسعر؛ فالأول (أي الثمن) يعبر عن كمية النقود التي يمكن بها مبادلة كمية معينة من سلعة ما، أما السعر فهو عدد وحدات النقود التي يمكن بها مبادلة وحدة واحدة من السلعة، ويتحدد السعر وفقاً لجانب العرض والطلب، ولكن ما دور كل منهما في تحديد السعر..؟
فالعرض يحدد السعر الذي يكون المنتجون عنده على استعداد لعرض السلعة، بينما الطلب يحدد الكميات التي يكون المشترون على استعداد لشرائها عند هذه الأسعار.
الضمير يحدده..!
إذاً فالمنتجون هم من يحددون السعر الذي تُباع به الوحدة من السلعة، إضافةً إلى هامش الربح، ودور الطلب في ذلك يقتصر على التكيف مع ما يحدده المنتجون الذين يمثلون جانب العرض، وبناء عليه فالمدخل الصحيح لدراسة السعر ومحاولة ضبطه يتمثل في تحليل جانب العرض.
ولكي يتضح الأمر أكثر ننظر إلى عناصر الإنتاج التي تساهم في إنتاج السلعة، لنجد أنها تقسم قسمين من حيث طبيعة العائد الذي تحصل عليه تلك العناصر: أولهما يتمثل في العناصر التي تحصل على عائد محدد مسبقاً وغير مرتبط بنتيجة النشاط الاقتصادي (إنتاج السلعة)، وهذه العناصر هي الأرض والعمل والوقت، والقسم الثاني يتمثل في العناصر التي تحصل على عائد يتحدد بنتيجة النشاط الاقتصادي ( إنتاج السلعة)، وهذه العناصر هي رأس المال والتنظيم، وهذا القسم يقتسم الأرباح التي تسمى بالعناصر الإنتاجية الربحية.
من العرض السابق يتضح لنا، أن تطابق السعر مع القيمة الحقيقية للسلعة يتوقف على مقدار الأرباح لعناصر الإنتاج الربحية (رأس المال والتنظيم)، والذي يحدده المنتجون الممثلون لجانب العرض، أما تحديد الربح العادل فيعتمد على ضمير المنظمين، والاعتماد على الضمير في تحديد الأسعار.. حدثوا ولا حرج..!؟

يحدد هيكلاً ومستوى..
واستناداً لذلك، ولما كان النشاط الاقتصادي للمجتمع هو محصلة أنشطة مختلف الوحدات الاقتصادية التي يتكون منها، فإن التسعير يشارك في تحديد هيكل ومستوى النشاط الاقتصادي للمجتمع، في ظل ظروف فنية واجتماعية معينة، وتتحدد مقدرة كل فرد في المجتمع على الاستفادة من ثمار النشاط الاقتصادي (الناتج القومي)، بمقدار نصيبه من الدخل القومي، وهذا النصيب يتوقف بدوره على مقدار مساهمة الفرد في النشاط الاقتصادي في المجتمع لبيعه لخدمات عناصر الإنتاج المملوكة له، وعلى ذلك فإن أسعار خدمات عناصر الإنتاج تحدد نصيب كل فرد من الدخل القومي، ولا يقتصر الأمر على أسعار عناصر الإنتاج فقط، على توزيع الدخل القومي، لكن أيضاً على أسعار السلع الاستهلاكية التي تمارس دوراً مؤثراً في هذا الصدد، إذ في ظل نمط معين لتوزيع الدخل القومي يتأثر نصيب كل فرد من الدخل القومي بهيكل أسعار السلع الاستهلاكية.

التوزيع العادل..؟
ويمكن القول إن السعر – سواء تعلق الأمر بعناصر الإنتاج أو بالسلع الاستهلاكية – يحدد بشكل أساسي نمط توزيع الدخل القومي، كما أن تطابق السعر مع القيمة الحقيقية للسلعة – وهو ما يهدف إليه هذا المقال– من الأهمية بمكان لتحديد نمط وتوزيع الدخل القومي؛ فمن المعروف أن الأفراد يحصلون على دخل نظير مشاركتهم في النشاط الاقتصادي بعناصر الإنتاج المملوكة لهم؛ لذلك فإن تطابق أسعار عناصر الإنتاج مع قيمتها يجعل عملية التوزيع تتم حسب مقياس حقيقي، ويتمكن كل عنصر إنتاجي من الحصول على مقابل عادل لمساهمته في النشاط الاقتصادي دون أن تتعرض فئة لظلم فئة أخرى.

معادلة الحرمان..!؟
فعلى سبيل المثال: لو انخفض سعر أحد العناصر عن قيمته الحقيقة، فسيؤدي ذلك إلي حرمان ملاك هذا العنصر من جزء من الدخل المستحق لهم (الفلاح مثلاً)، وتستحوذ عليه فئة أخرى دون مشاركة فعلية في النشاط الاقتصادي (تجار سوق الهال مثلاً)، كذلك فإن ارتفاع الأسعار للسلع الاستهلاكية عن القيمة الحقيقية يؤدي إلى دفع المستهلكين جزءاً أكبر من دخلهم مقابل حصولهم على نفس القدر من السلع، وهذا يعني أن جزءاً من دخول المستهلكين ينتقل إلى فئة أخرى دون مشاركة فعلية في النشاط الاقتصادي في المجتمع ( بائعي الجملة والمفرق مثلاً).
وعلى ذلك فإن تطابق السعر مع القيمة الحقيقية، سواء تعلق الأمر بعناصر الإنتاج أو بالسلع الاستهلاكية، سيضمن حصول كل فرد في المجتمع على مقابل عادل لمساهمته في النشاط الاقتصادي، ويساهم ذلك في تحقيق التوزيع العادل للدخل القومي على أفراد المجتمع.
حتى لا..!
وعليه نرى ضرورة تدخل الدولة في تحديد هامش الربح بنسبة تراوح ما بين 15-20% من إجمالي التكلفة الفعلية للسلعة، هامش حقيقي لا صوري، وإنشاء جهاز لترشيد الأسعار بعمل قائمة أسعار للسلع الاستهلاكية تسمى قائمة ترشيد الأسعار، وهذا الجهاز يكون تابعاً للرقابة الإدارية أو لجهاز حماية المستهلك بوزارة التجارة الداخلية.. حتى لا يُترك الحبل على الغارب لارتفاع الأسعار بسبب وبدون سبب.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com