المصيبة الحارقة
لا يمكن النظر إلى كارثية المشهد الملتهب الذي يحرق الأخضر واليابس من المساحات الخضراء؟! إلا صفحة جديدة من سجل الأذى المتعمد الذي يهدد الشجرة السورية بالانقراض إذا ما استمرت حفلة رقص الجناة أمام نيران تلتهم الثروة الشجرية الحراجية والمثمرة، والكل مسؤول سواء كانوا فعاليات أم مواطنين يشاهدون، هذا إذا لم ينصرف أكثر من 50% لعدم الاكتراث بالمصيبة.
بغض النظر عن دلائل الإثبات والقرائن التي تقدمها الجهات المعنية عن الأسباب الكامنة وراء الحرائق، وتحديداً التي ضربت ريف حمص وبعض جبال الساحل، فإن الحقيقة التي يجمع عليها القاصي والداني تقول بتورط شريحة من التجار بإشعال النيران في الغابات، والهدف المباشر “التفحيم” الذي استفحل مؤخراً بشكل سافر دون أي معيار قانوني وأخلاقي. أما الخطط الاستراتيجية التي يعلمها الكثيرون فهي إزالة الأشجار من طريق المشاريع الخبيثة التي لا تحترم بشراً ولا حجراً ولا شجراً، فلعاب المستثمرين يسيل على مساحات من الأراضي الزراعية لتكون بؤراً للبناء والعقارات الدسمة للجيوب الواسعة.
قد يعتقد البعض بأن القضية لا تعدو عن كونها موت عدد من الأشجار، ولكن للأسف ثمة ما يدعو للريبة في كثير من الممارسات التي تحصل في هذا البلد، أي لا مكان للبراءة في العديد من الملفات، وتحديداً المتعلقة بحرائق الغابات التي أصبحت “شغلة من لاشغل له”، لاسيما أن القصة لا تتطلب أكثر من قشة كبريت أو عقب سيجارة، ليتم القضاء على مئات الهكتارات في غضون ساعات.
هنا لن نتحدث عن مجريات باتت واضحة للعيان، ولكن دعونا نفتح الباب مشرعاً على الأحداث التي تلي إطفاء آخر جمرة في الحريق، وعلى رأسها اللهاث وراء الفحم وورشه المنتشرة، والتي باتت تصدر إلى كل المحافظات رماد ما ارتكبه “إرهابيو الغابات”، حيث لا تتوقف الشاحنات التي تتوافد إلى دمشق عن نقل الفحم لدرجة أصبت حافلات وشركات النقل السياحية حيزاً لتوريد الفحم على المقاعد وتحتها وفي الصناديق “الباكاجات” كنوع من التمويه والربح المضاعف.
ومع الإشارة إلى المجازر الأخرى التي ترتكب بحق الحراج والغابات كالقطع السافر تأتي المصائب التي تتجسد بتهريب الأشجار المقطوعة إلى الدول المجاورة، حيت تتوارد الأنباء من على الحدود حول شحنات لا تنقطع من السيارات العابرة ليس عبر طرق مخالفة، بل عبر النقاط الجمركية النظامية التي يتورط القائمون عليها بتمرير كميات كبيرة من الأخشاب والفحم إلى شمال لبنان عن طريق طرطوس وحمص.
جل ما قلناه لا يحتاج لثبوتيات؛ لأن الممارسات مكشوفة للعيان من الحرق والقطع والنقل والتهريب، والجمارك شريك، والخطورة في استغلال المناطق المستقرة لكتون مسرحاً تحت عين الرقيب.
علي بلال قاسم