“رحلة إلى أندونيسيا”.. قراءة في التراث
لم يكن كتاب”رحلة إلى أندونيسيا” كتاباً تعريفياً توثيقياً لمعالم وجغرافية طبيعة أندونيسيا الساحرة المليئة بالأسرار القديمة فقط، وإنما كان أشبه برسالة خفية اختبأت خلف الجزر والشواطئ ليستشف القارئ منها ملامح وخصائص التراث الأندونيسي القديم المتمثل بالرقصات والآلات الموسيقية والمهرجانات والمعابد والصناعات التقليدية بسرد بسيط، يتناغم مع مسار الحلم الرومانسي المتداخل مع الإبهار البصري بالصور الفنية التي شكّلت متتالية تصويرية لما يشبه فعلاً الرحلة.
اعتمد الكتاب على التقسيم الجغرافي للمناطق الكبرى متوقفاً عند كل ما تحتويه، فبدأ بجزر رياو إلى جاكرتا إلى باندونج إلى بانيوانغي إلى بالي ولومبوك وغيرها، شكّلت جميعها بانوراما من الثقافات والمعتقدات، وتشغل المرتبة الرابعة وفق ترتيب البلاد الأكثر كثافة ويتم التداول بأكثر من 700 لغة محلية.
ومن الصناعات التقليدية صناعة نسيج السونكيت اليدوي في قرية لومبوك بالتحديد حيث تتعلم النساء هذه الصناعة منذ الصغر، لأن من عادات هذه القرية أن تقدم المرأة المنتجات المنسوجة إلى أهل العريس.
تشتهر أندونيسيا بتراثها الثقافي الغني المعبّر عن طبيعتها وجغرافيتها، وتعد المعابد من أكثر المظاهر الأثرية في أندونيسيا والتي ارتبط بعضها بمهرجانات وطقوس ثقافية مثل مهرجان”ضرب توبات” بمعبد لنغسار أكبر معبد هندوسي في لومبوك الذي يعكس صورة التعايش والوئام بين المسلمين والهندوسيين ويترافق مع مراسم تقليدية تدل على المعاني الإنسانية.
الأنكلونج والموسيقا الجماعية
وفي باندونج معبد شانكوانغ الذي بُني في القرن الثامن وهو من أكبر معابد الهندوس في غرب جاوا، يوجد المعبد في جزيرة وسط بحيرة شانكوانغ، وتشتهر في المنطقة ذاتها رقصات السوندا التقليدية والتي تلتقي في جانب ما مع الأنكلونج الآلات الموسيقية المصنوعة من البامبو وقد أعلنت اليونسكو أن هذه الآلات نوعاً من الميراث الثقافي العالمي الذي يجب حمايته نظرا للرموز الفلسفية لهذه الآلات المبنية على العمل الجماعي، إذ يعزف كل عازف على نوتة منفردة وبالتناسق مع الأصوات الأخرى يشكلون أغنية بمشاركة تسعة أقسام للعازفين، وربما هذا التناسق والتناغم الصوتي يقترب من العمل الأوركسترالي.
وتتقابل المعابد بالحدائق الثقافية مثل حديقة غارودا ويزنو كينشانا التي تقدم العروض الثقافية الخاصة بالإله الهندوسي ويزيد تمثاله على ارتفاع مئة وعشرين متراً من أعمال النحات الشهير بالي إي نيومان نوراتا، ويجتمع الناس حول رقصات كينشاك والبارون والسيف.
ومن المهرجانات الحديثة مهرجان موسيقا الجاز الدولي الذي يقام سنويا في جاكرتا والمشهور باسم جافا جاز ويعد من أكبر مهرجانات الجاز في العالم ويستضيف مشاهير هذه الموسيقا من المحليين والعالمين مع مطربي الجاز منهم، جيمس براون، ودافيد فوستر وغيرهم، وتتخذ بعض المهرجان طابع الاستمتاع والترويج السياحي مثل مهرجان نيالي والتجديف على شاطئ سيغار.
كذلك نجد التقاطع والتقارب الإنساني والتراثي بين سورية وأندونيسيا بصناعة الفخار إذ تشتهر قرية بانيومولوك في حي كديري قرب لومبوك بصناعة الأعمال الفخارية التي تُصدر إلى الخارج وتتميز بنقوش خاصة. والمراكب لها حضور كبير في أندونيسيا ومن أشهرها المركب التقليدي فينيسي في جاوا المصنوع من الخشب وفق شكل هندسي رائع الشهير برحلاته إلى بحر كومودو لابوان باجو في فلوريس وإلى راجا أمبات بابوا، ويحتفي ميناء باوتيري بمئات مراكب فينيسي.
ومن معالمها الجغرافية الجزر الصغيرة، منها جزيرة سيلايار الموجودة بين مكاسر وتاكابونيراتا وكان لها دور بالتجارة العالمية أيام الاحتلال، وهي موضع للآثار القديمة جداً مثل المدفع العتيق من القرن السابع عشر والطبلة النقارية.
ومن الشواطئ التي تساعد على الهدوء الذاتي شاطئ الجنة الذي يؤمه الأشخاص الراغبون بالانفراد والتأمل والابتعاد عن الجميع، فيشعر كل فرد بأنه في شاطئ خاص. ومن أشهر معالم أندونيسيا قصر بوغور الذي بُني عام 1744في زمن الحكم الهولندي وبعد الاستقلال أصبح مكان إقامة الرئيس الرسمي ويشتهر بوجود مئات الغزلان في الحديقة الأمامية للقصر. ومن الأماكن التي تستقطب السياح حديقة بوغور الكبرى وهي غابة استوائية وسط مدينة بوغور.
الكتاب صادر عن وزارة السياحة في جمهورية أندونيسيا وكان ضمن معروضات الجناح الأندونيسي في معرض الكتاب بدورته الأخيرة.
ملده شويكاني