سورية تغيّر التحالفات في العالم
ربما لم يكن حلف “أصدقاء سورية”، مع بدء الحرب الإرهابية في عام 2011، يتصوّر أن يرى المشهد القائم حالياً، فسورية، الدولة الممانعة والمقاومة التي كانت محل الاستهداف، صمدت وانتصرت وأعادت الأوضاع إلى نصابها الصحيح، رغم بعض الأورام، التي لن يتأخّر مبضع الجيش العربي السوري في استئصالها. في المقابل استطاعت سورية “الطريدة”، حسب تعبير وزير خارجية النظام القطري حمد بن جاسم لها، تفكيك وشرذمة تحالف تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وأتباعها في المنطقة، بين جماعة يقودها بنو سعود وجماعة يقودها الإخواني أردوغان.
وبينما بدا قائد الحلف الأمريكي أكثر ارتباكاً وتخبّطاً بين الجميع، بعد مسرحيات الكيماوي المفبركة والعدوان على سورية في آذار من عام 2017، والقول: إن الوجود الأمريكي في سورية مفتوح، وفق وزير الخارجية الأميركي المقال ريكس تيلرسون، جاء قرار الرئيس دونالد ترامب الانسحاب من سورية في بداية عام 2018 ليوجّه ضربة مزعزعة لكل الحلفاء، بداية من البيت الداخلي الأمريكي، حيث استقال جيمس ماتيس وزير الدفاع، قبل أن يتراجع ترامب عن قراره بعد الذعر الذي أصاب جوقته الإرهابية في “إسرائيل” والخليج، وما لبث في ذروة تخبّطه أن أعلن مرة أخرى الانسحاب في السابع من الشهر الجاري، ولكن نقطة التحوّل في تصدّع الحلف وانقلاب أعضائه على بعضهم، هي ما نشهده اليوم من خلاف أمريكي تركي علني، تمثّل بتهديد أمريكي واضح بتدمير الاقتصاد التركي، وردّ الأخير برفض كل سياسات واشنطن في سورية.
ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحد، بل وصلت الخلافات إلى داخل الإدارة الأمريكية ذاتها، فالموقف من سورية بلغ مستويات غير مسبوقة من الخلاف بين البيت الأبيض وأعضاء الكونغرس، حيث أصدر الرئيس قراراً بالانسحاب، وأعضاء الكونغرس، على اختلاف انتماءاتهم الحزبية، ردّوا بقرار معاكس، الأمر الذي وضع الحلفاء قبل العالم بأسره أمام مشهد غير مسبوق، من الفوضى والتفكّك.
في المقابل كان لافتاً أن سورية، ومن دعمها من حلفاء وأصدقاء حقيقيين، بدؤوا بلعب دور أكبر على مستوى الإقليم والعالم، بداية من إيران، التي أكدت أنها بقدراتها الذاتية وعزيمة شعبها قادرة على قهر الإرهاب الاقتصادي الأمريكي، مروراً بالتنين الصيني، الذي أجبر ترامب على الخضوع لقوته التجارية العملاقة وفرض شروطه عليه، وليس انتهاءً بروسيا، التي أصبحت اليوم قوة دولية عظمى لا يمكن لأمريكا مهما حاولت والتفّت على القرارات الدولية، وحتى الثنائية عبر الانسحاب من المعاهدات الاستراتيجية، محاصرتها ومنعها من لعب دورها العالمي، الذي على ما يبدو بات يستهوي الكثير من أصدقاء أمريكا ذاتها، وزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى السعودية والإمارات مثال على ذلك.
وعليه يمكن القول: إن حرب السنوات التسع على سورية، وضعت الأسس لعالم جديد بدأ يتبلور وبقوة مع صعود قوى دولية واضطلاعها بأدوار كبرى، كروسيا والصين وإيران، وهبوط قوى يبدو أنه حان الوقت لتلملم أوراقها وتستسلم لمشكلاتها الداخلية “بريطانيا- فرنسا”، والأهم أنها أكدت من جديد أن إرادة الشعب والجيش والقائد لا يمكن لأي تحالف مهما بلغ من قوة أن يكسرها.
سنان حسن