دراساتصحيفة البعث

تحالف آل سعود مع الكيان الإسرائيلي

ترجمة وإعداد : لمى عجاج

لم يعد خافياً على أحد حقيقة تحالفات آل سعود مع الكيان الإسرائيلي التي أصبحت من الممكن أن تشكل لأي مراقب وثيقة للعلاقات الدولية وللطريقة التي يتم بها تشكيل التحالفات الجغرافية السياسية السرية والعلنية ، فطبقاً للبديهيات المسلم بها عندما تتلاقى مصالح  الأعداء بفعل التهديد المشترك الذي يواجهونه من قبل عدو مشترك، فإنها تجنح إلى وضع هدف مشترك واستراتيجية مشتركة كرد فعل مضاد عملاً بالمسلّمة السياسية “عدو عدوي هو صديقي” وهذا ما تحدث عنه تقرير لرويترز أوضح  عن وجود تعاون وتحالف بين الكيان الإسرائيلي ومملكة آل سعود في تطوير دودة حاسوبية يكون لها أثر تخريبي أكبر من أثر البرمجيات الخبيثة المعروفة بـ “ستوكسنت” وهو سلاح الكتروني مشترك الصنع بين الولايات المتحدة و الكيان الإسرائيلي، طوّر للهجوم على المرافق النووية الإيرانية لتخريب البرنامج النووي الإيراني، وهذا ما نقلته وكالة فارس الإيرانية شبه الرسمية عندما صرحت بأن مملكة آل سعود، و”الموساد” الاسرائيلي يتعاونان لتطوير هذا البرنامج لشن هجوم مشترك على البرنامج النووي الإيراني، خاصةً بعد أن بدأت الاتفاقية النووية الإيرانية الأمريكية تؤتي أكلها، هذه الاتفاقية التي بات جليّاً أنها أحدثت شرخاً عميقاً في العلاقات الإسرائيلية – الأمريكية من جهة، وكذلك بين الولايات المتحدة وآل سعود من جهة ثانية، فقد عبر كل من الطرفين عن رفضهما الشديد لهذه الصفقة بأشد العبارات، حتى أن مملكة آل سعود ذهبت إلى حد رفض قبول عضوية مجلس الأمن بسبب التقارب بين الولايات المتحدة وإيران وأعلنت أن هذه الصفقة بمثابة “خيانة من الغرب”، في حين انتقد رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي هذه الصفقة واعتبرها “خطأ تاريخي”.

إن هذا التصور المشترك بين آل سعود و الكيان الإسرائيلي والخوف من تهديد السلاح النووي الإيراني خلق نوعاً من التحالف السري الخفي بينهما، فالسمعة السيئة لآل سعود ولإسرائيل في الشرق الأوسط جعل كل منهما يتستر على تحالفه العلني مع الآخر، لكن المفارقة أن الكيان الإسرائيلي ومملكة آل سعود ما زالتا  تتبجحان بالعداوة العلنية في الأوساط الرسمية مع العلم بأن العلاقة بينهما متشابكة ومتداخلة إلى الحد الذي يجعلها أقرب إلى – التكافل المطلق-  فكل منهما يعتمد على الآخر عندما يتعلق الأمر بتقويض ومهاجمة إيران وتصويرها على أنها تهديد “للسلام” الإقليمي والعالمي.

هنا تشير تحليلات ردود وسياسات كل من مملكة آل سعود وإسرائيل تجاه الأمور المتعلقة بإيران وغيرها من القضايا ذات الاهتمام المشترك وفي مقدمتها الفوضى الحاصلة في العالم العربي إلى أن العلاقة الإسرائيلية- السعودية أصبحت أكثر من مجرد ملائمة وتوافق في المواقف، بل بات من الواضح بأن التقارب الحاصل فيما بينهم يرتقي إلى مستوى الاتحاد في المصالح بخصوص إيران بحيث بات يأخذ قالب تحالف استراتيجي غير معلن يدحض ادعاءاتهما الكاذبة بعدم وجود تحالف علني يجمع بينهما، لأن العامل الضمني وراء تعزيز إمكانية التحالف السعودي-الإسرائيلي يكمن في الإدراك المتنامي لكلا الطرفين بأن الولايات المتحدة بدأت تحوّل أولوياتها الاستراتيجية بشكل تدريجي نحو مناطق أخرى مثل إفريقيا وآسيا والمحيط الهادئ على حساب الشرق الأوسط، وهذا ما دعاهما إلى تفسير إحجام الولايات المتحدة عن استخدام القوة في الشرق الأوسط على أنه دليل على هذا التحول، وكردٍ على هذا التحول في الموقف الأمريكي بدأت كل من الكيان الإسرائيلي ومشيخة آل سعود بالتساؤل عن مدى مصداقية  الولايات المتحدة والتزامها بأمنهم والتي ازدادت حدتها عن أي وقتٍ مضى لتخلق الشعور بالحاجة إلى إقامة تحالفات جديدة للتعامل مع هذا “العدو المشترك”.

لذلك يُعتقد أن البرنامج الفيروسي “ستوكسنت” قد تم تطويره في الأصل من قبل الولايات المتحدة و الكيان الإسرائيلي مع المتعاقد التقني والموظف السابق في وكالة الأمن القومي ادوارد سنودن والذي سرّب لاحقاً تفاصيل برنامج التجسس في الولايات المتحدة وفضح المخالفات التي قاموا بها، حيث أكد على أدوارهم السرية في مقابلة أجريت معه في تموز الماضي، وهو البرنامج الذي يُعتقد بأنه تم استخدامه بالفعل ضد الأسلحة النووية الإيرانية في إطار عملٍ تخريبي. ولعل هذا من أحد الأسباب المنطقية التي دفعت مملكة آل سعود و الكيان الإسرائيلي إلى الرغبة في تطوير برامج تخريبية جديدة وأكثر قدرة على الاختراق ليس لمجرد التجسس على البرنامج النووي أو إلحاق الضرر الجزئي به فقط، وإنما لتدمير بنية البرنامج بالكامل. على الأكيد ستحتاج هذه الخطة إلى قدر كبير من الوقت والتمويل، لكن وبحسب الكثير من التقارير فإن خيار هذا البرنامج المشترك كان محط ترحيب من قبل حكومة آل سعود التي استقبلته بصدرٍ رحب، وهذا ما تم تأكيده لصحيفة “الصنداي تايمز” البريطانية منذ عام 2013  حيث جاء في المقال أن “الموساد” الإسرائيلي والمسؤولين من آل سعود عملوا معاً على وضع خطة للطوارئ في حال فشل الغرب في تقليص برنامج إيران النووي على النحو الذي يريدونه وأعرب كل من الطرفين عن قلقهما من أن المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وإيران يمكن أن تفضي إلى تنازلات تقدم لإيران من شأنها أن تعري الموقف الهش والضعيف لكل من الكيان الإسرائيلي ومملكة آل سعود في الشرق الأوسط بما في ذلك دول الخليج الأخرى. وفي هذه الحالة يصبح أمن منطقة الخليج بأكملها معرضاً للخطر في حال نجحت إيران في تطوير سلاح نووي فعال، وانطلاقاً من خوفها من هذا الكابوس وشعورها بالحاجة الملحة لمواجهة هذا التهديد كان هذا الاتفاق والتعاون المشترك.

وبحسب ما أظهرت بعض التقارير والوثائق المسربة كان هناك حوار سري حول القضية الإيرانية بين الكيان الإسرائيلي وبعض دول الخليج حيث عقد كبار المسؤولين من الجانبين بعض الاجتماعات السرية والتي كانت نتيجتها أن الكيان الإسرائيلي عمد إلى تخفيف سياسته بشأن صادرات الأسلحة إلى دول الخليج، وكذلك التخفيف من محاولات تقييد مبيعات الأسلحة المتقدمة من قبل الولايات المتحدة إلى الخليج في إشارةٍ إلى أنها أي “إسرائيل” ترى إمكانية الشراكة مع دول الخليج أفضل بكثير من تهديد محتمل.

هذا التطور، الذي اعتبر مهماً للغاية، يؤكد أن الكيان الإسرائيلي كان  حريصا كل الحرص تاريخيا على الحفاظ على موقعه المتفوق في الشرق الأوسط، ولطالما عارض على الدوام صفقات الأسلحة بين الولايات المتحدة ودول الخليج، ومع هذا فقد لجأ هذا الكيان اليوم إلى التخفيف على نحوٍ كبير من رفضه المستمر لمبيعات أسلحة قُدرت قيمتها بمليارات الدولارات من قبل الولايات المتحدة إلى مملكة آل سعود ودول الخليج الأخرى على مدى السنوات القليلة الماضية وعلى النقيض من ردود أفعاله السابقة على صفقات مماثلة أبرمت في الماضي بقيت “إسرائيل” صامتة بشكل لافت على المبيعات الحديثة والتي تعتبر من أكبر اتفاقيات بيع الأسلحة التي أبرمتها الولايات المتحدة مع دول أجنبية.

على الصعيد المقابل اعترف آل سعود بالقوة العسكرية للكيان الإسرائيلي وكذلك بعلاقاته الوثيقة مع الولايات المتحدة (ونفوذه في الكونغرس) وكان هذا هو المنطلق الذي جعلهم يرون ضرورة وأهمية الحفاظ على مستوى من التنسيق مع الجانب الإسرائيلي ولكن يُفضل أن يكون هذا التنسيق سرياً، فآل سعود لديه مشاكل مع البرنامج النووي الإيراني، ولكن ليس لديه أية مشاكل مع الأسلحة الإسرائيلية لهذا لم يندد علناً بالأسلحة النووية الإسرائيلية، وهذا ما فسّر التطورات والاتفاقات الحاصلة بين الفريقين وراء الكواليس ولكن وعلى الرغم من حقيقة وجودها كان يجب أن تبقى بعيدة عن الأنظار لأن تكلفة العلاقات المفتوحة مع الكيان الإسرائيلي ستفوق الفوائد المتوقعة بالقياس إلى موقف الشعب العربي الذي يرفض الاعتراف بالكيان الإسرائيلي والتطبيع معه. وبالتالي فإن المشيخات العربية تستفيد في اليوم إلى حدٍ كبير من حقيقة أن العلاقات السرية وغير الرسمية تسمح لها بالتمتع بمزايا العلاقات مع الكيان الإسرائيلي دون الاضطرار إلى دفع الثمن، فربما كان هذا الثمن ثورة شعبية تهز عرش آل سعود وتكون الثورة الأعنف في تاريخ “الربيع العربي” المزعوم، في حين ترى “إسرائيل” من جهتها نوعاً من الفائدة  المحتملة في الحفاظ على تحالف سري خفي من تحت الطاولة مع آل سعود لأنها ستسمح لها بالحفاظ على يدها العليا في الشرق الأوسط وتمكنّها كذلك من استغلال الانقسام المتعمق في العالم العربي بسهولة، وبالتالي ستكون “إسرائيل” قادرة على تحقيق أهدافها دون الاضطرار إلى الاعتماد فقط على جهود أي دولة من دول الخليج وفي الوقت ذاته يضع حدوداً لهذه العلاقة إذا ما تطلب الأمر عن طريق إشعال الفتنة بين هذه الدول وتقليبها ضد بعضها البعض.

خلاصة القول “إسرائيل” لن تتخلى أبداً عن طموحاتها في الهيمنة على الشرق الأوسط والذي يعتبر المحور الأصلي الذي تدور حوله سياستها الخارجية ومع ذلك  فإن التحالف السعودي – الإسرائيلي له طموحاته وغاياته أيضاً، فعلى الرغم من أن التقارب في المصالح بين إسرائيل والمملكة السعودية قائم لكن مع هذا لا يبدو التطبيع الكامل للعلاقات ممكناً حالياً لكن على الأقل يمكنهم ممارسة قدر كبير من الضغط  على الولايات المتحدة لتبني موقف أكثر عدائية تجاه إيران يتجلى في إعادة فرض الحظر أو ربما في شن عملية لتفكيك البرنامج النووي الإيراني، ما يعني أن لدى التحالف أجندة خطيرة يمكن أن تسفر عن نزاع مسلح مباشر أو غير مباشر في الشرق الأوسط.