دراساتصحيفة البعث

الصراعات المركبة داخل الكيان الإسرائيلي

ريا خوري

من المؤكد أن بنية الكيان الصهيوني وأحزابه وتياراته السياسيّة تحمل تناقضاً هائلاً على المستوى الداخلي، والمتابع للوحة الحزبية داخل هذا الكيان يدرك أن جميع الأحزاب السياسية تؤكد على وجود صراعات بنيوية داخله. وهكذا نجد بنيامين نتنياهو يسير على حافة الهاوية باحثاً عن المشكلات والاتهامات والعقد التي تتراكم على رأسه، حيث يحتدم الصراع الحزبي داخل  الكيان الصهيوني التي أُطلق عليها (حرب الاستقطاب).

لقد أكد العديد من المراقبين أن نتنياهو سعى جاهداً إلى استخدام كلّ ما تبقى في جعبته من ملفات كي يدفع حزب غانتس (أزرق- أبيض) للقبول بحكومة وحدة، والتي من الممكن أن تكون مخرج النجاة الوحيد له للتهرّب من المحاكمة في حال ثبوت التّهم، التي تشير جميعها إلى فساد وقبض رشاوى وتواطؤ مع رجال أعمال وأصحاب رؤوس أموال، لتسهيل مهام تضاربية تشكّل لهم أرباحاً ضخمة غير مشروعة.

في غمرة هذه الحرب (حرب الاستقطاب) لم يسفر اللقاء الذي جرى مؤخراً مع رئيس حزب (إسرائيل بيتنا) أفيغدور ليبرمان عن نتائج ملموسة، خاصة وأنه يعدّ من كبار المتشددين في مواقفه من (الحريديم) الذين يُهدِّدون بالانسحاب من التكتل اليميني في حال رضخ بنيامين نتنياهو لشروط أفيغدور ليبرمان في سنّ قوانين وتشريعات تفقدهم ميزات طالما تشبّثوا بها لأنها كانت تخدم مصالحهم، وهي الميزانيات الضخمة  والمدارس الدينية (اليشيفيا) والإعفاء من الخدمة في الجيش.

كل تلك المحاولات التي قام بها رئيس كيان الاحتلال راؤبين ريفين فشلت في إيجاد أي مخرج لنتنياهو الذي بدأ يرفع منسوب صراخه بأن الديمقراطية في الكيان  مهدّدة ومصلحة (الدولة) فوق الجميع للضغط على أكبر عدد من شركاء (بيني غانتس) من أجل التخلي عن مطالبهم التي يعتبرها بنيامين نتنياهو قاصمة له ولمصيره الحزبي والسياسي في حال تعثّر في تشكيل الحكومة.

لقد أكدت معظم وسائل الإعلام في الكيان الصهيوني مثل القناة الثالثة وصحيفتي (هآرتس) و(يديعوت أحرنوت) أن بنيامين نتنياهو يسير على حافة الهاوية باحثاً عن منقذ يفكك العقد والملفات الصعبة على عاتقه بعد أن شعر أن حبل الإقصاء والتهميش يضيق في ممراته. ووفق معطيات المراقبين التي تشير إلى أن خيارات نتنياهو أصبحت ضيّقة جداً، فالبحث عن معجزة أو عملية سحرية لم يجعله يستسلم أمام ما ينتظره من محاكمة في حال فشل في تشكيل حكومة. ومن الواضح أن بيني غانتس، خصم نتنياهو، سيردّ التكليف أيضاً لعدم توافر النصاب المطلوب. والأهم من ذلك أن المُعضلة الأساسية المتفاقمة التي يواجهها  نتنياهو ليست فقط في تشكيل الحكومة، وإنما بتهديد الأحزاب الصغيرة في ائتلافه اليميني والتي تمثل بيضة القبان في أن تنسحب من التكتل في حال عدم تمكنه من تحقيق  مطالبها.

من هنا فإن السياسة البراغماتية التي ينتهجها نتنياهو تدفعه إلى أن يتنازل عن الكثير من شروطه ويقبل بما يطلبه بيني غانتس في حكومة شرَاكة في حال توصل إلى اتفاق واضح وصريح مع الجنرالين غابي أشكنازي، وموشيي (غابي) يعلون. أما أفيغدور ليبرمان فإنه يراقب بحذر شديد المشهد من خلال خبرته الطويلة والمتعدّدة بمستقبل حكومة الشراكة التي من المؤكد ستنقذ بنيامين نتنياهو لمدة سنتين إن ترأسها وعادت إلى بيني غانتس، وهي مدة ليست طويلة نسبياً، فهو يراهن على رضوخ نتنياهو المذل لشروطه، وقد يفعل ذلك في اللحظات الأخيرة بدل التوجه إلى انتخابات كنيست جديدة، وهذا الطرح يتوافق مع راؤبين ريفين رئيس كيان الاحتلال الذي يرى أنه إذا تمّت إعادة الانتخابات مرة أخرى فذلك يعني بالمطلق الذهاب إلى فوضى سياسية تتحكم بالواقع الاقتصادي والأمني والعسكري والاجتماعي. وبالطبع هذا سيعصف ببنية الكيان من الداخل، خاصة وأن الانتخابات ونتائجها التي وصفها المراقبون بـ
(الفوضى) جعلت من الساحة السياسية والخارطة الحزبية داخل الكيان الصهيوني حقل تجارب لقوى تقرّر بقوة ميزان نجاح الحكومة وتشكيلها، ما يدفع بنيامين نتنياهو إلى الإسراع في اتخاذ خطوات تهديدية في حزبه الليكود إن فكر البعض أو سعى لاستبداله بعد أن تسرّبت الكثير من  المعلومات والمعطيات التي تتحدث عن انقلاب لدى بعض القيادات التي تفكر في التحالف مع حزب (أزرق-أبيض) الذي يتزعمه بيني غانتس ووفق ما يطلبه بقوة.

وللهروب من هذا المأزق، بدأ نتنياهو التوجه بحملة كبيرة ضد إيران وقطاع غزة، وتجييش الولايات المتحدة وعدد من دول الخليج وإيجاد دوامة في المنطقة كي يخرج من أزماته المتفاقمة. فقد انتهج سياسة دفع الولايات المتحدة عبر اتصالاته المكثفة مع دونالد ترامب في  البيت الأبيض من أجل ضبط إيقاع التحرك الإيراني في سورية ولبنان والعراق، طالباً التدخل الأمريكي بشكل مباشر في هذا الموضوع،  إضافة إلى انتهاج سياسة تضخيم الأمور والتهويل داخل الكيان الصهيوني بأن أي اتفاق متوقع بين الولايات المتحدة وإيران ستكون عواقبه جارفة في ظل التهديد الإيراني المستمر  للكيان الصهيوني.

إنّ الولايات المتحدة الأمريكية التي حاولت وتحاول البحث عن مخارِج للتهدئة مع طهران لن تذهب إلى خيارات تراها الآن غير مواتية، خاصة وأن دونالد ترامب ليس في مكانة تؤهّله للبحث في ملفات يعرف مسبقاً أنها خاسرة، ولاسيما في هذه الفترة وهو على أعتاب انتخابات رئاسية قادمة بعد عام، وتحوم حوله الشبهات والتساؤلات التي بدأها  الكونغرس الأمريكي في تهديد منافسه الديمقراطي جون بايدن.

على الجانب الآخر من المعادلة لم ينجح نتنياهو الذي يسعى بكل إمكانياته إلى أن يستبق الزمن والأحداث على الرغم من تصريحاته المتتالية الهادفة إلى ضم أغوار الأردن وشمالي البحر الميت، وتصعيد لهجة خطابه نحو إقامة دولتين في الخروج من ملفاته الصعبة والمعيقة، خاصة عندما رفع في خطابه الشعبوي من سقف المطالبات في لحظة حرجة وحاسمة  للطرفين. لذلك على الرغم من تساوق وتوافق نهجهما في (حرب الاستقطاب) حول الصراع العربي- الصهيوني ومفاهيم الأمن والتهويد والسيطرة الكلية على الضفة الغربية المحتلة والقدس، وسنّ قوانين وتشريعات لمزيد من محاصرة الفلسطينيين ومصادرة أملاك الغائبين في أراضي فلسطين  التاريخية التي تمّ اغتصابها في العام 1948، يدرك الناخب الصهيوني أن مجمل تلك القوى والأحزاب تسير وفق إستراتيجية واحدة ضد الشعب الفلسطيني خاصة والعربي عامة، وفي النهاية سيكون مصيرها الفشل والذهاب إلى انتخابات مبكرة، وهذا يعرفه (حزب الليكود) وحزب (أزرق- أبيض).