“المهرج”…كوميديا تمتزج بالحياة
يقال إنّ الكوميديا هي الوجه الضاحك للمسرح،ومن يتابع العروض المسرحية القائمة على هذا النوع من الدراما ويلحظ مستوى استقبال الجمهور وتفاعله معها يتيقن باستمرارية هذا الفن العريق وصموده في مواجهة كل تقنيات الإعلام والتواصل الإنساني.هذه الحقيقة، ربما تعوم في فراغ لولا أن عروضا كثيرة قدمت مؤخرا وارتكزت على التهكم الكوميدي من الواقع القريب من الناس، فرضت واقعيتها وجلائها وأن بسويات متفاوتة،ويمكن وضع العرض المسرحي الذي قدمته مديرية الثقافة في حمص مؤخرا عن نص للأديب الراحل محمد الماغوط إعداد وإخراج فاخر أبو زهير على خشبة مسرح دار الثقافة،الذي حضره جمهور كبير سواده الأعظم من الشباب، ضمن هذه العروض.فقد نجح مجموعة من الشباب الهواة بالاشتغال على روح نص الماغوط دون الالتزام بحرفية مفرداته وأدواته لإبراز عمق الاغتراب العربي عن التاريخ من خلال محاكمة يعقدها صقر قريش “عبد الرحمن الداخل” فاتح الأندلس لمهرج مسرحي يسيء أداء دوره في مسرحية هزلية، وعندما يستدعيه عبر الزمن يكتشف صقر قريش أن العرب أضاعوا كل ما أنجزه أجدادهم فيقرر القدوم إلى الحاضر لتحرير فلسطين مهد الأنبياء، لكن العرب يقومون باعتقاله وبيعه للأسبان الذين سيفرحون برؤية من فتح الأندلس مقيدا خلف القضبان.استطاع المخرج اختزال نص الماغوط دون المساس بفكرته وسمته التهكمية من خلال الاستعاضة عن بعض مفردات النص بمفردات أنية وبيئية ودمجها بنص العرض كإضافة ينتظرها المتلقي، كما نجح في إدارة مشاهده بإتقان وتناغم يقارب سوية الاحتراف سواء بالاشتغال على المواقف الكوميدية العفوية البعيد عن التصنع والابتزال، أوفي توظيف الموسيقى والمؤثرات الصوتية للانتقال بين مشاهد الحاضر والماضي ضمن إيقاع تصاعدي متسارع متأثرا بالموسيقى التصويرية للدراما التلفزيونية التاريخية. أداء الممثلين في هذا العرض كان على مستوى النص وليس أقل منه أجادوا شكلا ومضمونا في تقديم تلك الكوميديا التي قال عنها الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون في كتابه “الضحك”: “تسمو كلما مالت إلى الامتزاج بالحياة” معتمدين على توظيف التكامل الدقيق بين مفردات الجسد واللباس وقد امتزجت في مهرج حمص بالواقع والبيئة والتاريخ فاستحقت إعجاب الجمهور وتصفيقه.العرض من تمثيل شباب التقوا على حب المسرح وهم عبد الرحمن عميش، حسام بركات، محمد معلا، أحمد الدروبي، ريمون صبحه، غانية الأبرش وهادي المرعي.
آصف إبراهيم