في تحدّ لإرادة المجتمع الدولي واشنطن تنسحب رسمياً من اتفاقية المناخ
رغم أنها البلد الأول في تلويث الهواء، وفي قرار يثبت مجدداً تنكّر الولايات المتحدة وعدم التزامها بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية، وأن أي اتفاق مع واشنطن، حتى المعاهدات التي صدّق عليها الكونغرس، “لا يستحق الحبر الذي يكتب به”، قدّمت الإدارة الأميركية إلى الأمم المتحدة الأوراق اللازمة لانسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، وذلك في أول خطوة رسمية، في عملية تستغرق عاماً للخروج من هذا الاتفاق العالمي، الذي يهدف لمكافحة التغير المناخي.
وستصبح الولايات المتحدة فور تنفيذ خروجها في الرابع من تشرين الثاني من العام المقبل البلد الصناعي الوحيد خارج الاتفاقية، رغم أنها من أكثر الدول المتسببة في انبعاث غازات الاحتباس الحراري، كما أنها منتج بارز للنفط والغاز، في وقت يحثّ فيه العلماء، وكثير من حكومات العالم على اتخاذ إجراء سريع لتفادي الآثار الأسوأ لظاهرة ارتفاع درجات الحرارة.
وادعى وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في بيان أن الاتفاق فرض “أعباء اقتصادية جائرة” على الولايات المتحدة، زاعماً أن واشنطن “تستخدم كل موارد الطاقة والتكنولوجيا بشكل نظيف وفاعل بما في ذلك الوقود الأحفوري والطاقة النووية والمتجددة”.
وانتقد زعيم الديمقراطيين في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي روبرت مينينديز هذا القرار، وقال: “إن إدارة ترامب استهزأت مرة جديدة بحلفائها، وتجاهلت الوقائع، وزادت من تسييس أكبر تحد بيئي يواجهه العالم”.
وكانت اتفاقية باريس قد حدّدت هامش الاحترار بدرجتين مئويتين، مقارنة بالمستويات التي كانت سائدة ما قبل الحقبة الصناعية، وهو هدف يعتبره العلماء حيوياً لكشف أسوأ تداعيات الاحترار، ولا سيما الجفاف وتزايد الفيضانات واشتداد العواصف.
إلى ذلك، حذّر المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديميتري بيسكوف من أن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية المناخ يقوّضها بشكل خطير، كونها البلد الأول من حيث كمية الانبعاثات الملوثة للهواء، وقال في تصريحات للصحفيين: إنه “سيكون من الصعب للغاية التحدّث عن فعالية اتفاقية باريس للمناخ إذا انسحبت الولايات المتحدة منها”.
وتعتبر اتفاقية باريس للمناخ أول اتفاق دولي شامل حول حماية المناخ تمّ التوصل إليه في الثاني عشر من كانون الأول 2015 في باريس بعد مفاوضات مطوّلة بين ممثلين عن 195 دولة.
وفي السياق نفسه، انتقد وزير شؤون التعاون الاقتصادي والتنمية الألماني، غيرد مولر، قرار الولايات المتحدة، وقال: “الانسحاب الرسمي من اتفاقية باريس للمناخ من قبل ثاني دولة في العالم من حيث حجم انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، يمثّل خطوة إلى الوراء في الجهود الدولية لحماية المناخ. فالدول الصناعية التي أسهمت بالقسط الأكبر في تغيّر المناخ، هي التي يتعيّن عليها تحمّل المسؤولية الخاصة والقيام بدور ريادي”.
ورحّب الوزير الألماني باعتزام عدد من الولايات والمقاطعات والمدن الأمريكية على التمسّك بأهداف اتفاقية باريس، لكنه أشار إلى بطء تقدّم الولايات المتحدة ككل في هذا الطريق، وأضاف: “سيعاني من ذلك سكان الدول النامية التي تعيش تأثيرات تغيّر المناخ منذ وقت طويل”.
يذكر أن الولايات المتحدة، منذ بداية ولاية ترامب الرئاسية، قد انسحبت من عدد من الاتفاقيات الدولية، منها: اتفاقية باريس بشأن المناخ، واتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، ومنظمة اليونيسكو، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، كما راجعت بشكل أحادي الجانب شروط اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، وانسحبت أيضاً من معاهدة التخلص من الصواريخ النووية الموقّعة مع روسيا، ومن الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة “5+1″، وإعادة العمل بالعقوبات على طهران، في تحد لإرادة المجتمع الدولي وانتهاك للقرارات الدولية بهذا الشأن.