أخبارصحيفة البعث

هل مازال قانون الاستيعاب الجامعي صالحاً؟..

 

د. مهدي دخل الله

لا شك في أن هذا القانون كان من القوانين التقدمية في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الآفل. كان لهذا القانون بعد مجتمعي «ثوري» على الرغم من أن مصطلح (ثورة) أصبح اليوم إشكالياً كي لا أقول سلبياً.
لكن التطوير يتطلب التغيير إذا كانت القوانين أدت دورها، ولم يعد لها فائدة تذكر بعد انتهاء مسوغاتها.. ومعروف أن كل ما تنتهي فائدته يصبح عائقاً للتنمية.
تفيد المعلومات أن في سورية (800) ألف طالب جامعي من أصل (20) مليون إنسان عدد السكان، أي إنه بين كل (25) سورياً، هناك طالب جامعي واحد. وإذا حذفنا من هذا الرقم على الأقل (10) أفراد هم من الأطفال والشيوخ، يبقى أن هناك طالباً جامعياً من بين كل (15) سورياً (ما بين سن 15 و60)…
أذكر أنه في الثمانينيات التقيت الدكتور اليوغسلافي ريكارد لانج خبير الأمم المتحدة في التنمية البشرية، فسألني فوراً كم عدد سكان سورية، قلت له حوالي /12/ مليوناً عندها، ثم سأل كم جامعة لديكم، قلت: ثلاث تستوعب حوالي (200) ألف طالب… أظهر الرجل حسرة عميقة، وقال: إنكم تكررون خطأنا في يوغسلافيا، إنها ظاهرة «عبادة التعليم الأكاديمي» المنتشرة في الدول النامية..
بعدها التقيت أحد مدراء المصانع عندنا، فأخبرني عن همه الكبير، إذ قال: إننا نطلب عمالاً مهنيين وغير مهنيين، فلا نجد بينما يتقدّم لنا عشرات المهندسين ليعملوا بصفة عمال عاديين..
وكثيراً ما كان سائق التاكسي يخبرك بأنه مهندس ولا يجد عملاً، هذا معناه أن الاقتصاد بحاجة لسائق تاكسي وليس لمهندس. إن إنتاج «الأكاديميين» عندنا وصل إلى ما يسمى في علم الاقتصاد بأزمة فائض الإنتاج (hyperproduction) . عندها يصبح تصريف الإنتاج الفائض مشكلة أكبر من الإنتاج نفسه..
الذي يحصل أننا نصدّر إنتاجنا من المهندسين والأطباء والأكاديميين إلى الخارج مجاناً بعد أن صرف دافع الضرائب السوري ملايين الليرات «لإنتاج» الأكاديمي الواحد، والأسوأ من ذلك أن «الخارج» يختار النوعية الجيدة من الأكاديميين، ولا يقبل الوسط وما دون الوسط…
إنها مشكلة تنموية كبيرة لا بد من مواجهتها. تجربة العالم أمامنا واضحة، فالمبدعون العرب، السوريون واللبنانيون والفلسطينيون والعراقيون خاصة، يشكّلون رافعة مهمة للتطور في أوروبا والولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية، كم من الأموال أنفق دافع الضرائب العربي لإنتاج هذا الكادر البشري الذي يحصل عليه الغرب مجاناً؟؟..
ثم ليكن تفكيرنا مبنياً على المنهج المقارن!…في ألمانيا عدد السكان (82) مليون نسمة، وعدد طلاب الجامعات والمعاهد العليا (2) مليون طالب، أي إن هناك طالباً واحداً بين كل (82) مواطناً. في الولايات المتحدة عدد السكان (327) مليوناً، وعدد طلاب الجامعات (492) ألف طالب، أي إن هناك طالباً واحداً بين كل (66) مواطناً. هذا يعني أن النسبة في سورية خمسة أضعاف ألمانيا وأربعة أضعاف الولايات المتحدة.
ثم هناك استنتاج منطقي ومعروف، فأي مصنع عندما يكون لديه مئة عامل هو بحاجة ربما لعشرين فنياً ولثلاثة أو أربعة مهندسين فقط. الحل اليوم عندنا هو في تنشيط التعليم المهني العملي والحرفي، وتخفيض أعداد الجامعيين كي لا يمد دافع الضرائب السوري الغرب والخليج بإنتاج العقول عندنا.

mahdidakhlala@gmail.com